بالتأكيــد وبكل الصراحة والوضــوح، فإن مســـتقبل الأوطان لا تصنعه الشعارات.
هذه حقيقة كثيراً ما أكد عليها الرئيس السيسى فى العديد من اللقاءات، خاصة ما يتعلق منها بذكرى انتصار أكتوبر المجيد.. وذلك حتى تدرك كل الأجيال الجديدة التى لم تعاصر مرحلة الإعداد والتحضير لهذه الحرب، التى عبرت بمصر من الهزيمة إلى النصر ومسحت مشاعر الحزن واليأس والانكسار التى ألمت بالمصريين عقب نكسة 67 الأليمة، التى فاجأت جيلاً تغنى كثيراً بالشعارات والأحلام وأناشيد إلقاء العدو فى البحر واللامبالاة بحليفه الأمريكى على شاكلة أغنية «ولا يهمــك يا ريس من الأمريكان يا ريس حواليك أشجع رجال»، أو تعهد قائد من زمن العنتريات لرئيس مصر عندما سأله عن جدية الاستعداد للحرب، فرد: «فى رقبتى يا ريس» !! لا شك أن المصريين الصادقين مع أنفسهم بحق شعباً وجيشاً بعد ثلاثة أيام من النكسة وفى التاسع والعاشر من يونيو 1967، خرجوا عن بكرة أبيهم فى كل ربوع مصر يرفضون تنحى القائد الذى تحمل مسئولية الهزيمة وأراد أن يعود جندياً فى صفوف الجماهير، ليبدأ القائد والشعب معاً عهداً جديداً من أول السطر، يخوض الجميع بكل المسئولية بما فيها من أعباء وتضحيات جسام تبدأ ببذل الدماء والاستشهاد فى معارك رد الاعتبار على جبهات القتال، ولا تنتهى عند كل معانى البذل والعطاء على الجبهة الداخلية.. كان الشعار الوحيد الذى لا ينتمى لشعارات الماضى الخادعة هو شعار التعبئة العامة والمجهود الحربى الذى يدخل فى نطاقه أنه لا راحة ولا مطلب ولا حتى فرح، إلا بعد إزالة آثار العدوان.
>>>
تأجلت أفراح الشباب الذى كان يرتبط بالزواج، لأنه كان فى فترة تجنيده على الجبهة فى السويس والإسماعيلية وبورسعيد، بل حتى فى الوحدات المركزية، لأنه كان فى مهمة مفتوحة لا يعرف متى ينتهى منها، وكان يعد عروسه بأن الفرح سيكون بعد النصر وإزالة آثار العدوان، حتى دبل الخطوبة تبرع بها البعض للمجهود الحربى.. وكانت القدوة للمصريين فى العطاء السيدة «أم كلثوم» التى طافت الشرق والغرب فى حفلات غناء تجمع التبرعات من أجل المساهمة حتى ولو كانت محدودة، للاستعداد لمعركة تحرير الأرض وهى التى اتهموها ظلماً فى نطاق الدعاية السوداء بأنها غيبت الشعب بأغانيها وسهرات المصريين معها مثل اللعبة الشعبية المحببة كرة القدم التى توقفت أيضا طوال حرب الاستنزاف تأكيداً لتركيز الشعب مع قادته فى حرب التحرير.
هل يصدق هذا الجيل وأجيال عديدة سبقته أن الباحث فى الأسواق عن ربع كيلو سكر، كان كالباحث عن قشة فى كوم قش.. الشوارع التى تشهد الآن المحاور والكبارى التى تنافس كبرى دول العالم، كانت تمتلئ بالحفر والمطبات التى تحطم السيارات، ذلك لأن الأولوية كانت لرصف ممرات الطائرات التى كانت تنخفض وسط المزارع والحقول.
>>>
يطول الحديث ولا يتسع المجال لسرد الكم الهائل من العطاء والتضحيات التى قدمها شعب مصر وجيشه العظيم على مدى 6 سنوات ســبقت نصــر أكتــوبر، الذى لا نمل الحديث عنه فى ذكراه سواء هجرياً أو ميلادياً، لأنه يحمل الكثير من الدروس والعبر التى تجعلنا نلتفت بكل جدية إلى أفعالنا وسلوكياتنا، خاصة فى ظل المؤامرات والتحديات الجسام التى قابلتنا على مر العامين الأخيرين، ومنذ ما يسمى بـ «طوفان الأقصى» الذى دفع ثمنه أطفال غزة ونساؤها وشيوخها، والقطاع بأكمله الذى يحتاج إزالة ركامه 4 أو 5 سنوات على الأقل حتى تبدأ عملية الإعمار من جديد.
بالتأكيد، الحروب ليست لعبة أتارى، ولكنها لها ثمن باهظ تدفعه الشعوب التى يجب أن تتسلح بالوعى والقدرة حتى لا تكون رهينة لأصحاب الشعارات، خاصة إذا كانوا ينعمون برفاهية العيش فى الفنادق والجهاد من المنتجعات.
المؤكد أن المصريين الآن يملكون قدراً هائلاً من الوعى حتى لا تعود عقارب الساعة إلى الوراء.. ولقد صدقت رؤية القائد مع قناعة المصريين بأن الأوطان لا تُبنى إلا بالجد والعمل والتضحيات، حتى صارت مصر تمتلك جيشاً قوياً حديثاً على أعلى درجات الجاهزية والاستعداد.. هو نتاج ملحمة أكتوبر العظيمة التى صنعت السلام، الذى أهلها لملحمة البناء والتنمية التى تشهدها مصر الدولة المحورية الكبرى فى منطقتها الشرق أوسطية.
مازالت مصر تفرض السلام.. سلام القوة الذى تتحطم على إرادته أعتى المؤامرات وأخطر التحديات.