مصر .. الأحرص على حقوق الفلسطينين
تقرير : نهى حامد
منذ بدء العدوان الإسرائيلى الدموى على قطاع غزة قبل عامين، كانت مصر فى صدارة المشهد الإقليمى والعالمي، انطلاقا من المسئولية الإنسانية والدعم الكامل لدول الجوار.. خلال العامين الماضيين بذلت القاهرة جهودا مستمرة لاحتواء الأزمة الإنسانية، وحقن دماء الفلسطينين، والوقوف كحائط سد ضد مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، فى مواقف أكدت ثبات القاهرة على مبادئها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، ودعمها الدائم لحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة.
ظلت الأيادى المصرية ممتدة للأشقاء الفلسطينيين طوال العامين الماضيين، وكانت القاهرة أول من تحركت لمواجهة الكارثة الإنسانية الناتجة عن حرب إبادة طالت البشر والحجر وأسفرت عن عشرات الآلاف من الشهداء والجرحي، وخلفت جيلا ممن تبقى من الأطفال بين يتيم، ومصاب ، ومعاق، أو مصاب باضطراب نفسى بسبب هول المجازر التى خلفتها الحرب.
كان معبر رفح شاهدا على الدور المصرى فى إنقاذ ما تبقى من ضمير العالم. ورغم القصف المتكرر الذى استهدف محيط المعبر من الجانب الفلسطينى أصرت مصر على إبقاء المعبر مفتوحاً من جانبها لعبور المساعدات الإنسانية، والجرحي، والمصابين.
ورغم عرقلة قوات الاحتلال الإسرائيلية لدخول المساعدات، والتعنت فى تفتيشها وإعادتها دون إبداء أسباب، ظل معبر رفح يشهد حركة يومية لا تنقطع، وكان بمثابة شريان الحياة الذى يمد الأشقاء فى غزة بما يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة، حيث تنطلق قوافل المساعدات من الجانب المصرى باتجاه معبر كرم أبو سالم. وخلال الأشهر الماضية، دخل عبر الأراضى المصرية مئات الشاحنات المحمّلة بالغذاء والدواء والمستلزمات الطبية، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر المصري. كما استقبلت المستشفيات فى شمال سيناء آلاف الجرحى الفلسطينيين لتلقى العلاج.
ومنذ أن بدأ الهلال الأحمر المصرى فى إطلاق قوافل «زاد العزة .. من مصر إلى غزة» عبرت 45 قافلة مساعدات فى شهر ونصف، منذ 27 يوليو 2025، تضمنت القوافل أكثر من 3 آلاف شاحنة، محملة بأكثر من 70 ألف طن من المساعدات الغذاية والطبية والخيام والسولار.
لم تكن التحركات الإنسانية لمصر هى السند الوحيد للقضية الفلسطينية، لكن على الصعيد السياسي، قادت القاهرة جهوداً ماراثونية لوقف إطلاق النار، واستضافت عدة جولات من المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلى بوساطة مصرية- قطرية- أمريكية.
وفى كل جولة تصعيد، كانت القاهرة تتحرك بخطوات متوازنة تجمع بين الحزم والاتزان، مطالبة بوقف فورى للعمليات العسكرية، وضمان دخول المساعدات دون عوائق، والتمهيد لمسار سياسى يعيد الأمل فى حل الدولتين.
ومنذ اللحظة الأولي، أعلنت القيادة المصرية رفضها القاطع لأى مخطط يستهدف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مؤكدة أن أمن غزة من أمن مصر، وأن الحل لا يكون على حساب الأراضى المصرية أو الحقوق الفلسطينية.
نقلت مصر صوتها بالدبلوماسية المتزنة عبر المنابر العالمية، وفى اللقاءات والاجتماعات الدولية، وكانت الطرف الأكثر قبولاً وثقة من جميع الأطراف، بفضل سياستها المتوازنة وعلاقاتها الممتدة. ورغم الصعوبات، ما زالت القاهرة تواصل تحركاتها الدبلوماسية والإنسانية لإعادة الهدوء، والحفاظ على ما تبقى من أمل فى السلام.
وعندما طرح الرئيس الأمريكى ترامب مبادرته التى تتضمن 21 بنداً لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب رحبت مصر بالمبادرة لعدة أسباب.
أولها: ان الشعب الفلسطينى تعب وذاق كل أنواع المعاناة وليس هناك من يستمع إليه، بل هو الذى يدفع ثمن الصراع ويسقط منه كل يوم شهداء ومصابين ومن حق هذا الشعب أن يبتعد عن المعاناه.
الثاني: ان المبادرة تضمنت بوضوح الثوابت المصرية المعلنة منذ أول يوم.. وهى عدم التهجير وعدم تصفية القضية ورفض احتلال مناطق جديدة من الضفة، وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود.
الثالث: ان الحرب قد طالت أكثر مما ينبغى ولابد أن تتوقف لأن الصراع يأكل الأخضر واليابس.
الرابع: ان مصر لديها حلم تسعى إليه وتحاول أن تحققه وهو الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 67.. وتأمل ان تكون مبادرة ترامب هى بداية الطريق إلى هذه الدولة.
وأكدت هذا القيادة المصرية فى أكثر من مرة أنها تدعم مبادرة ترامب لانقاذ الأبرياء ولأنها خطوة فى طريق حل الدولتين الذى أكدت مصر انه لا سلام فى المنطقة بدونه.. بالتأكيد المبادرة ليست كلها إيجابيات أو لصالح فلسطين، لكن كما هو معروف فإن كل طرف يحاول ان يحقق مكاسب يبنى عليها ومصر ترى فى مبادرة ترامب مكاسب يمكن البناء عليها، مصر كعادتها لا تتهاون أو تتخلى عن حقوق الفلسطينيين بل تعمل كل ما تملك من أجلها مع احترامها الكامل لاستقلالية القرار الفلسطيني، بمعنى ان الفلسطينيين هم أصحاب القرار فى النهاية وكل ما تفعله مصر فى هذا الأمر أنها تسعى لتحقيق المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية لتوحيد الكلمة والقرار الفلسطينى.وان مصر لم تخن القضية الفلسطينية فى لحظة واحدة، بل هى بشهادة الجميع الأكثر حرصاً على ما يحقق مطالب أبناء فلسطين المشروعة وعندما تبدأ حرب وتستمر لنحو عامين يسقط خلالها ما يقرب من 70 ألف شهيد و 200 ألف مصاب، فليس من الإنسانية ولا العقل ان يتم تفويت فرصة مثل مبادرة ترامب على الأقل لوقف الحرب والبدء فى المفاوضات انقاذا للأبرياء.
لكن لم ولن تنس مصر ثوابتها وأولها الدولة الفلسطينية المستقلة.. وستعمل عليها بكل السبل كما قال الرئيس السيسى وهو يلقى الكلمة فى ذكرى نصر أكتوبر حيث كان جزء مهم من هذه الكلمة التأكيد على هذا الثابت وهو أنه لا سلام فى المنطقة إلا بإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.. فهذه هى مصر التى وان حاول البعض تشويه مواقفها إلا أن الواقع يقول بوضوح انها السند الحقيقى والدائم الصادق للقضية الفلسطينية.. لم تبتعد عنها أو تتنكر لها يوما بل ولم تزايد يوما بالقضية ولم تزايد على القضية بل تعمل كصوت للعقل دائما.. تتفاوض.. تفتح الباب لكل من يريد أن يتفاوض.. تقبل المبادرات.. تطرح أفكاراً.. تستضيف الوفود لتقرب وجهات النظر.. لكنها فى النهاية لها هدف واضح وهو الدولة الفلسطينية التى لاتنازل عنها.