قدّم رئيس الوزراء الفرنسى سيباستيان لوكورنو استقالته، أمس، بعد 12 ساعة فقط من الإعلان عن تشكيلة حكومته، ليصبح أقصر رئيس وزراء فى تاريخ الجمهورية الخامسة بعد 27 يومًا فقط فى المنصب، حسبما أفادت صحيفة «لوموند» الفرنسية.
ضمت التشكيلة الحكومية 11 وزيرًا احتفظوا بحقائبهم نفسها من الحكومة السابقة، وجاءت شبه متطابقة مع حكومة سلفه فرانسوا بايرو، ما أثار غضب المعارضة والحلفاء على حد سواء لفشلها فى تحقيق «القطيعة» الموعودة، بحسب صحيفة «ليبراسيون».
وشكّلت ردود الفعل السريعة من الأحزاب السياسية المسمار الأخير فى نعش حكومة لوكورنو، ففى خطوة غير مسبوقة، انتقد وزير الداخلية برونو ريتايو، زعيم حزب الجمهوريين الحليف، التشكيلة بعد ساعتين فقط من تعيينه، وقال على منصة «إكس» إنها «لا تعكس القطيعة الموعودة»، معلنًا عن اجتماع طارئ للجنة الاستراتيجية للحزب امس.
وذهب كزافييه برتران، رئيس منطقة أوت دو فرانس، وأحد قادة الجمهوريين، إلى ما أبعد من ذلك فى تصريحات لإذاعة «آر تى إل»، إذ طالب بانسحاب جميع وزراء الحزب من الحكومة، واصفًا الوضع بـ«المهزلة» و»الكارثة» التى لا يمكن المشاركة فيها.
من جانبها، لم تكن المعارضة أكثر تساهلًا، إذ أعلن الأمين العام للحزب الاشتراكى أوليفييه فور فى حديث لإذاعة «فرانس إنتر» أنه «مصدوم» من التشكيلة، وأكد أنه «لا يرى حاليًا ما يمنعه من التصويت بحجب الثقة»، مشترطًا إجراء نقاش برلمانى حول إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل وإلغائه قبل نهاية ديسمبر المقبل، وإلا سيصوّت حزبه على سحب الثقة.
أما التجمع الوطنى اليمينى المتطرف، فاعتبر نائبه جان فيليب تانجوى فى مقابلة مع «بى إف إم تى في» أن حجب الثقة «أمر بديهي»، منتقدًا غياب أى تغيير حقيقي، بينما دعا رئيس الحزب جوردان بارديلا فورًا إلى حل الجمعية الوطنية «فى أسرع وقت ممكن» لاستعادة الاستقرار السياسي.
كان ماكرون عيّن لوكورنو، أحد أقرب حلفائه، فى مطلع سبتمبر الماضى بعد إسقاط البرلمان لحكومة بايرو فى تصويت بحجب الثقة، الذى كان بدوره قد تولى المنصب بعد إسقاط حكومة ميشال بارنييه بالطريقة ذاتها.
وتعود جذور هذه الأزمة المستعصية إلى القرار الخاطئ لماكرون بحل البرلمان فى الصيف الماضي، أملًا فى تعزيز سلطته، لكن المناورة انقلبت ضده وأفرزت برلمانًا منقسمًا بين ثلاث كتل متناحرة، لا تملك أى منها أغلبية كافية للحكم بمفردها.
تأتى هذه الاضطرابات السياسية فى وقت حرج، إذ تحتاج فرنسا بشكل عاجل إلى إقرار موازنة تقشفية للعام المقبل، وتشير البيانات الرسمية، حسبما أوردت صحيفة «لوموند»، إلى أن نسبة الدين العام الفرنسى إلى الناتج المحلى وصلت إلى مستويات قياسية، لتصبح ثالث أعلى نسبة فى الاتحاد الأوروبى بعد اليونان وإيطاليا، متجاوزة ضعف الحد الأقصى المسموح به وفق قواعد الاتحاد البالغ 60 ٪.