سيناء فى حضن «خير أجنادالأرض».. بعزيمة وإصرار الأبطال
القوات المسلحة تغير المعايير والإستراتيجيات العسكرية الدولية.. وتكسب احترام العالم
يظل السادس من أكتوبر 1973 يومًا خالدًا فى ذاكرة الأمة المصرية والعربية، يومًا تحوّل فيه الحلم إلى حقيقة، وسجل فيه الجيش المصرى أعظم بطولاته حين عبر قناة السويس وحطم أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، ليصنع معجزة عسكرية أبهرت العالم وأعادت لمصر كرامتها وللأمة عزتها.. إنه يوم العزة والكرامة، يوم تجسدت فيه وحدة الشعب والجيش فى ملحمة بطولية ستظل نبراسًا للأجيال، ودليلاً على أن الإرادة المصرية قادرة على تحدى المستحيل وصنع الانتصارات.
نجحت القوات المسلحة المصرية، فى تغيير مفاهيم الفكر العسكرى فى العالم، بعد تدمير خط بارليف الذى أكد خبراء العالم أنه يحتاج إلى قنبلة نووية، وأصبحت معركة العبور مرجعًا يدرس فى كل جيوش العالم، إنها حقا معجزة عسكرية بكل المقاييس، أثبتت للكون أن الجنود المصريين هم خير أجناد الأرض.. فهم رجال لا يولون الأدبار.. عقيدتهم «النصر أو الشهادة».. يضحون بالغالى والنفيس من أجل وطنهم.. يعيشون درعا وسيفا للوطن.. ويموتون شهداء من أجل الشرف والكرامة.
يحتفل المصريون اليوم بمرور 52 عامًا على معركة العزة والكرامة أكتوبر 1973 تلك الحرب التى خلقت فيه إرادة فريدة، جعلته يتحدى المستحيل ويصنع المعجزات، فالإرادة كانت ولا تزال أقوى الأسلحة المصرية التى تزيح كل ما يقابلها بكل عزيمة وإصرار.
المهندسون العسكريون.. مفاجأة العبور
فتح 70 ثغرة فى خط بارليف.. فى وقت قياسى

سلاح المهندسين العسكريين أحد أهم الركائز الأساسية التى اعتمدت عليها القوات المسلحة فى نصر أكتوبر العظيم، وكان أهم مفاجآت العبور، خاصة بعد أن أجمعت دول العالم الصديقة والمعادية على استحالة عبور قناة السويس وخط بارليف، ولكن بفضل من الله وعبقرية أبناء القوات المسلحة نجح المهندسون العسكريون فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى على الضفة الشرقية وتركيب الكبارى الثقيلة والخفيفة لعبور المدرعات والمركبات، وإقامة كبارى الاقتحام لعبور المشاة، وتجهيز وتشغيل المعديات لنقل الدبابات والأسلحة الثقيلة، وتشغيل آلاف القوارب التى حملت عشرات الألوف من أفراد المشاة إلى الشاطيء الشرقى للقناة.
أكد الخبراء العسكريون على الدور العظيم الذى قام بها المهندسون العسكريون تحت سيل منهمر من النيران والقذائف والصواريخ برًا وبحرًا، حيث نجحت القوات فى اقتحام قناة السويس أصعب مانع مائى فى العالم خلال ساعات معدودة ومواجهة حوالى 160 كيلو مترا بقوة خمس فرق مشاة تتكون من حوالى 80 ألف جندى بكامل معداتهم وأسلحتهم ومركباتهم فى 12 موجة متتالية، مستخدمين المعابر والتجهيزات التى أعدها المهندسون لهم لعبور القناة، ولتعزيز مواقعهم على الشاطيء الشرقى لها فور وصولهم .
أثبت المهندسون العسكريون أن العقل المصرى وقدرته على الابتكار والإبداع وإخلاصه للوطن يمكنه التغلب على جميع المصاعب والمشكلات، وتم للقوات البرية المصرية اقتحام القناة دون الحاجة إلى تفجير قنبلة ذرية كما أكد الخبراء الروس.
تم إنجاز المهمة فى حرب 73 بفتح 70 ثغرة فى خط بارليف فى زمن يتراوح ما بين 5 إلى 7 ساعات فقط، وإنشاء 10 كبارى ثقيلة لعبور الدبابات والمدافع والمعدات الثقيلة، و5 كبارى خفيفة، و10 كبارى اقتحام لعبور المشاة، وتشغيل 35 معدية نقل و720 قارباً مطاطاً لعبور المشاة، وكانت الوحدات الهندسية المكلفة بهذه المهمات 35 كتيبة، وعليها إنهاء المهمات فى زمن قياسى تحت نيران ومدفعية وطيران العدو.
بعد ساعتين من بدء الحرب وصل حجم قوات المهندسين العسكريين التى عبرت القناة، وبدأت تعمل فوق سطح الساتر الترابى ما يقرب من 15 ألف مقاتل، وفى الموجة الثانية عبر نحو 80 وحدة هندسية مزودين بالمضخات والخراطيم لفتح الممرات فى الساتر الترابي، وأتم المهندسون بالجيش الثانى إنشاء الكبارى والمعديات فى الوقت الزمنى المخطط، حين كان الوقت أطول بساعات معدودة فى بعض مناطق الجيش الثالث.
القوات البحرية..عرين الأبطال

لعبت القوات البحرية المصرية، دوراً محورياً فى تحقيق نصر أكتوبر العظيم، واستطاعت تحقيق جميع المهام المكلفة بها بنجاح وقامت بمعاونة الجيوش الميدانية فى سيناء سواء بالنيران أو بحماية جانب القوات البرية المتقدمة بمحاذاة الساحل، كما قامت بالإبرار البحرى لعناصر القوات الخاصة على الساحل الشمالى لسيناء، وسيطرت على مضيق باب المندب وباشرت حق الزيارة والتفتيش واعتراض السفن التجارية ومنعها من الوصول إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، مما أفقد الميناء قيمته وتم تعطيله عن العمل تماماً، ومن ثم عن طريق البحر الأحمر.
لعبت القوات البحرية دورًا مهمًا بالتعرض لخطوط المواصلات البحرية الإسرائيلية فى البحرين المتوسط والأحمر بكفاءة تامة، وعلى أعماق بعيدة، مما أدى إلى تحقيق آثار عسكرية واقتصادية ومعنوية على إسرائيل وقواتها المسلحة.
كما نفذت القوات البحرية إغارة بالنيران على الموانئ والمراسى والأهداف الساحلية بإسرائيل وسددت ضربات بالصواريخ والمدفعية ضدها بأسلوب متطور اعتمد على خفة الحركة وسرعة المناورة مع توفير قوة نيران عالية، فيما وفرت تأمين النطاق التعبوى للقواعد البحرية فى البحرين الأحمر والمتوسط و كان له أكبر الأثر الفاعل فى إحباط جميع محاولات العدو للتدخل ضد قواتنا البحرية العاملة على المحاور الساحلية، وساعد على استمرار خطوط المواصلات البحرية، من وإلى الموانئ المصرية دون أى تأثير وطوال فترة العمليات.
فرضت 50 قطعة بحرية مصرية سيطرتها على مياه البحرين المتوسط والأحمر اعتبارًا من 27 سبتمبر 1973، كما وصلت مجموعة بحرية مكونة من المدمرات والفرقاطات والغواصات إلى مضيق باب المندب بحجة مساندة اليمن الجنوبية، ومع بدء العمليات فى السادس من أكتوبر، وتم إعلان البحر الأحمر عند خط 21 شمالاً، منطقة عمليات و تمكنت البحرية المصرية خلال الفترة من 6 أكتوبر حتى 21 أكتوبر 1973 من اعتراض 200 سفينة محايدة ومعادية.
قامت وحدات بث الألغام البحرية بإغلاق مدخل خليج السويس، كما هاجمت الضفادع البشرية منطقة بلاعيم و دمرت حفاراً ضخماً، فيما تم قصف منطقة رأس سدر على خليج السويس بالصواريخ، لتصاب عمليات شحن البترول فى خليج السويس إلى ميناء إيلات بالشلل التام، حيث كان الهدف الإستراتيجى للقوات البحرية هو حرمان إسرائيل وقواتها المسلحة من البترول المسلوب من الآبار المصرية فى خليج السويس والبترول المستورد من إيران و الذى يصل إلى 18 مليون برميل سنوياً.
نجحت القوات البحرية فى السيطرة على مسرح العمليات البحرية بامتداد 1600 كيلو متر على السواحل المصرية و400 كم على سواحل فلسطين المحتلة وسيناء لتؤمن أجناب الجيش المصرى الذى يخوض معركة التحرير فى سيناء وتحيط به مساحات مائية هائلة من الشمال والجنوب.
الدفاع الجوى .. لهـيب الســماء
«حائط الصواريخ»
تصدى لأقوى طائرات العالم

بدأ رجال الدفاع الجوى فى الإعداد والتجهيز لحرب التحرير واستعادة الأرض والكرامة، مع وصول وحدات الصواريخ الحديثة وانضمامها لمنظومات الدفاع الجوى بنهاية عام 1970.
نجحت قوات الدفاع الجوى خلال فترة وقف إطلاق النار فى حرمان سلاح العدو الجوى من استطلاع قواتنا غرب القناة بإسقاط طائرة الاستطلاع الالكترونى صباح 17 سبتمبر 1971 وتم آنذاك إدخال منظومات حديثة من الصواريخ استعداداً لحرب التحرير، وكانت مهمة قوات الدفاع الجوى بالغة الصعوبة لأن مسرح العمليات لا يقتصر فقط على جبهة قناة السويس بل يشمل أرض مصر كلها بما فيها من أهداف حيوية سياسية واقتصادية وقواعد جوية ومطارات وقواعد بحرية وموانئ إستراتيجية.
فى اليوم الأول للقتال فى السادس من أكتوبر 1973 هاجم العدو الإسرائيلى القوات المصرية القائمة بالعبور حتى آخر ضوء بعدد من الطائرات كرد فعل فورى توالى بعدها هجمات بأعداد صغيرة من الطائرات خلال ليلتى 6/7 أكتوبر تصدت لها وحدات الصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات ونجحت فى إسقاط أكثر من 25 طائرة بالإضافة إلى إصابة أعداد أخرى وأسر عدد من الطيارين وعلى ضوء ذلك أصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره للطيارين بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة أقل من 15 كم.
فى صباح يوم 7 أكتوبر 1973 قام العدو بتنفيذ هجمات جوية على القواعد الجوية والمطارات المتقدمة وكتائب الرادار ولكنها لم تجن سوى الفشل ومزيد من الخسائر فى الطائرات والطيارين وخلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب فقد العدو الجوى الإسرائيلى أكثر من ثلث طائراته وأكفأ طياريه الذى كان يتباهى بهم.
كانت الملحمة الكبرى لقوات الدفاع الجوى خلال حرب أكتوبر مما جعل «موشى ديان» يعلن فى رابع أيام القتال عن أنه عاجز عن اختراق شبكة الصواريخ المصرية وذكر فى أحد الأحاديث التلفزيونية يوم 14 أكتوبر 73 «أن القوات الجوية الإسرائيلية تخوض معارك ثقيلة بأيامها.. ثقيلة بدمائها».
النسـور
القوات الجوية.. ضربة البداية

استطاع المصريون بالتحدى والصمود قلب موازين القوى العالمية بخطة اعتمدت على مفاجأة اسرائيل بهجوم من كلا الجبهتين المصرية والسورية، وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية الأمريكية لاسترداد الأرض التى احتلتها إسرائيل بالقوة، بهجوم موحد مفاجئ يوم 6 أكتوبر الموافق العاشر من رمضان، يوم عيد الغفران اليهودي.
بدأت مصر الحرب بضربة جوية تشكلت من 222 طائرة مقاتلة عبرت قناة السويس وخط الكشف الرادارى للجيش الإسرائيلى مجتمعة فى وقت واحد، استهدفت محطات الشوشرة والإعاقة فى أم خشيب وأم مرجم ومطار المليز ومطارات أخرى ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوى وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة فى خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
عقب الضربة الجوية بخمس دقائق قامت أكثر من 2000 قطعة مدفعية وهاون ولواء صواريخ تكتيكية أرض بقصف مركز لمدة 53 دقيقة صانعة عملية تمهيد نيرانى من اقوى عمليات التمهيد النيرانى فى التاريخ، ثم بدأت عمليات عبور مجموعات اقتناص الدبابات قناة السويس، لتدمير دبابات العدو ومنعها من التدخل فى عمليات عبور القوات الرئيسية وعدم استخدام مصاطبها بالساتر الترابى على الضفة الشرقية للقناة.
فى الساعة الثانية وعشرين دقيقة أتمت المدفعية القصفة الأولى لمدة 15 دقيقة، وفى توقيت القصفة الثانية بدأت موجات العبور الأولى من المشاة فى القوارب الخشبية والمطاطية وتدفقت موجات العبور بين كل موجة والأخرى فاصل 15 دقيقة وصولاً إلى عبور 8 موجات من المشاة حتى الساعة الرابعة والنصف عصراً حتى أصبح لدى القوات المصرية على الشاطئ الشرقى للقناة خمسة رءوس كبارى فى الوقت الذى كانت قوات سلاح المهندسين تقوم بفتح ثغرات فى الساتر الترابى لخط بارليف، وحين فتح الثغرات قامت وحدات الكبارى بإنزالها وتركيبها فى خلال من 6-9 ساعات ومع حلول الظلام أتمت عملية العبور حتى أكملت 80 ألف مقاتل مشاة و800 دبابة ومدرعة ومئات المدافع.
نجحت مصر وسوريا فى تحقيق النصر وتم اختراق خط بارليف وتدمير حصونه خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة فى القوة الجوية الإسرائيلية، ومنعت القوات الإسرائلية من استخدام أنابيب النابالم، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر.
قذائف المدفعية
جحيم فوق رءوس الأعداء

لعب سلاح المدفعية دورًا مهمًا فى نصر أكتوبر 73 حيث حول سلاح المدفعية مع الساعات الأولى من الحرب الضفة الشرقية للقناة إلى جحيم من نار ممهداً الطريق للقوات البرية للعبور، لتبدأ أعظم عملية عسكرية شهدها العالم فى القرن العشرين.
عقب قيام القوات الجوية بتنفيذ ضرباتها القوية وتحقيق 95 ٪ من أهدافها، وعقب عودتها بدأ أكبر تمهيد نيراني، فى تاريخ الحروب الحديثة، حيث شارك فيه ما يزيد عن 2000 قطعة مدفعية، والذى استمر ما يقرب من 50 دقيقة، أطلق خلالها أكثر من 200 ألف طن من الذخيرة، على النقاط القوية والحصينة والاحتياطيات ومراكز القيادة والسيطرة لدى العدو، لتقتحم قوات المشاة مانع قناة السويس بأقل خسائر ممكنة، حيث توالت القذائف واحدة تلو الأخري، تزلزل الأرض، تصيب هدفها بكل دقة وإتقان، حيث استمرت فى دورها لمساندة عمليات الاقتحام وصد العمليات المضادة من جانب العدو، ثم تم تطوير الهجوم لتحقيق مهام الوحدات والتشكيلات التكتيكية، والتعبوية شرق القناة، وتكبد العدو خلالها خسائر فادحة فى الأسلحة والمعدات، مما أدمى قلوب القادة الإسرائليين.
وبعد أن انتقل القتال إلى غرب القناة، شاركت وحدات المدفعية بفعاليات كبيرة، فى منع العدو من اقتحام الإسماعيلية، والسويس ليذكر الكثير من القادة الإسرائيليين، كيف كانت قذائف المدفعية تصب فوق رءوسهم كالجحيم وكيف تفحمت الأسلحة والمعدات بفعل المدفعية والقذائف المضادة للدبابات، ليكرم الرئيس السادات بعد انتهاء الحرب قادة المدفعية على رأسهم الفريق الماحي، قائد سلاح المدفعية فى حرب أكتوبر 1973.