د.طـارق فهمـى
الإدارة وشخص ترامب تريد وبقوة حسم ملف الحرب فى قطاع غزة بالتعاون مع الشركاء العرب ودعم الدول العربية الوسيطة والانتقال إلى مرحلة وقف إطلاق النار
تأتي التحركات الأمريكية الراهنة، والتي تمثلت في مبادرة الرئيس دونالد ترامب في سياق مهم ومرتبط بقرب انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة غزة الأمر الذي يعني حسم ملف التفاوض النهائي، ويعطي الفرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للتعامل مع الرأي العام الداخلي بالتأكيد علي أن ما يتم يأتي في سياق مرتبط فعلياً بأن ما تواجهه إسرائيل مرتبط بقضية وجود لا حدود حيث –يواجه نتنياهو فخاً تاريخياً إما الاستجابة لقاعدته اليمينية، أو المخاطرة بالتجاذب مع الإدارة الأمريكية– حتي مع حالة التجاوب مع طرح الرئيس ترامب – إذ سيسلم نتنياهو لمطالب ترامب إذا ربط ترامب المساعدات الأمريكية البالغة 3.8 مليار دولار سنوياً بامتثال إسرائيل.
لهذا فإن دخول الولايات المتحدة علي الخط والعمل علي بناء مقاربة سياسية وأمنية واقتصادية مهمة من خلال المبادرة الأمريكية ما يؤكد علي أن الإدارة وشخص ترامب تريدان وبقوة حسم ملف الحرب في قطاع غزة بالتعاون مع الشركاء العرب ودعم الدول العربية الوسيطة والانتقال إلي مرحلة وقف إطلاق النار، وتسليم كل المحتجزين دفعة واحدة وعدم العودة لمراوغات جديدة من الجانبين خاصة أن لقاء ترامب نتنياهو حسم كثيراً من النقاط العالقة بشأن إعادة ترتيب الأوضاع والتنسيق في المراحل التالية في التعامل مع التوقع ببعض التعثرات المحتملة.
تريد الحكومة الإسرائيلية تنفيذ بنود المبادرة الأمريكية من خلال التفاوض تحت النار وهو ما لم يحدث
وتريد عدم دفع تكلفة أولية إلا بعد تسليم كل المحتجزين، واتمام اجتياح مدينة غزة ثم الدخول في مفاوضات في حال مقتل المحتجزين، أو العثور علي بعضهم ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المفاوضات من منطق إسرائيلي، وفي ظل تصميم علي توظيف نجاحات السياسة الإسرائيلية وفق منطق نتنياهو والعمل علي استعادة قدرة الردع، وفي ظل ما يجري من تفاهمات لإدارة اليوم التالي بين أمريكي وإسرائيلي كما تخطط إدارة ترامب تحميل الجانب العربي بعض المهام إضافة للتركيز علي البعدين الأمني والعسكري أولاًً والاقتصادي الاستثماري ثانياً حيث يرتب إجراء المفاوضات الخاصة بتبادل المحتجزين والأسري الفلسطينيين بوساطة مصرية قطرية دوراً مهما للجانب المصري ويجعل مصر في دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي ويحجز دوراً حقيقياً ومباشراً لها في ما هو قائم من ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية في قطاع غزة علي وجه الخصوص وفي مجمل القضية الفلسطينية بكل تطوراتها المفصلية.
لعل ادراك الجانب الدولي وفي القلب منه العربي – بفضل الجهد المصري الكبير – أصبح محور ما يجري من تحركات محسوبة للجانب المصري ومن ثم يجب الاستثمار في هذا الأمر وتوظيفه بصورة كبيرة بما يحقق أعلي مكاسب للدولة المصرية في الفترة الراهنة ليس في ملف وقف اطلاق النار بل في ملفات أخري علي رأس الأولويات المصرية في الفترة الراهنة والمنتظرة والتعامل مع كل الأطراف الرئيسة والفرعية مع افساح المجال أمام كل الأطراف لطرح الرؤي والمقاربات مع الاستعداد المباشر لتقديم الرؤية «مخلص ما يدور في النقاشات» علي اعتبار ان مصر تلعب دور الوسيط المباشر والفاعل.
كذلك العمل مع الشريك الأمريكي مع عدم نقل رسائل سلبية لأي طرف آخر مشارك والحذر من تلاعب حركة حماس في قبول أو رفض بعض الأمور ومنها عملية الانسحاب التدريجي من قطاع غزة خاصة أن الانسحاب لن يتم بصورة كاملة بل سيتم في إطار إعادة تموضع أو انتشار وفق الخرائط الجغرافية ووجود الجانب الأمريكي كمراقب لما يجري.
هناك أيضاً حرص أمريكي كما يبدو علي عدم الانجرار إلي موقف الحكومة الإسرائيلية في تبني إستراتيجية مرحلية ممتدة لأن هذا الأمر سيخلق مساحات للتجاذب بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل ومن مصلحة مصر التفاوضية تغذية هذا الأمر بوسائل تفاوضية.
من مصلحة مصر أيضاً العمل علي تطوير أدوات تعاملها مع الإدارة الأمريكية علي اعتبار ان توجيهات الرئيس ترامب ستكون هي محرك البوصلة في توقيت معين والتحسب المصري لإمكانية أن ينقلب الرئيس ترامب في أي توقيت علي مسار التفاوض في حال فشله في الحصول علي جائزة نوبل أو تحرك الحكومة الإسرائيلية ومنظمة ايباك لإحداث نوع من التوزان في التعامل ومحاولة استعادة الأرضية الإسرائيلية في الدوائر الأمريكية.
ان مصر تسعي لتوجيه رسائل إيجابية للرئيس ترامب بأن القاهرة داعمة تماماً لموقف الإدارة الأمريكية ولشخص الرئيس ترامب من أجل تحقيق السلام ومنع التصعيد في المنطقة، وفي هذا الإطار يجب العمل في توقيت محدد يتم الاتفاق بشأنه علي الدعوة لحوار إستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة بما يسمح بالفعل بالعمل معا في ظل مناخ جديد يتشكل انطلاقا من غزة وبما يسمح بدور أمريكي مباشر في ملف الأمن المائي وبما لا يخل بمحددات الأمن القومي المصري ونقل رسالة للإدارة الأمريكية بدءاً من مفاوضات شرم الشيخ أن دور مصر ليس فقط التوصل إلي هدنة إنسانية أو مرحلية أو تدريجية بل دور مصريستند علي وقائع وحقائق تاريخية بمعني الكلمة، وأنها تمتلك قدرات ان تكون ضابط ايقاع ما يجري في الشرق الأوسط الأمر الذي سيلقي أعباء حقيقية علي مصر ويحتاج إلي جهد مؤسسات الدولة المصرية وإعادة ترتيب الأولويات الأمنية والسياسية مع الخارجية وأجهزة المعلومات وتفعيل دور مجلس الدفاع الوطني ومجلسي الأمن القومي.
إن مصر ستظل الطرف الأهم المعني بأي ترتيبات أمنية أو إستراتيجية قد تقدم عليها إسرائيل، وتؤثر علي تبعات الأمن القومي المصري ومن ثم فإن مصر ستتعامل بندية وواقعية مع الإدارة الأمريكية وبما يحقق مصالحها السياسية والإستراتيجية ويحقق أمنها القومي.
برغم ما يطرح فإن ثمة سيناريو قد يكون واردا يتمثل في التسويف، ويتلخص في سعي نتنياهو إلي تأجيل بعض الاستحقاقات والسعي إلي إجراء تحسينات علي المسار الأمريكي.
يراهن نتنياهو علي أن تتطور الأمور لخيارات أخري «قد يتم الربط بين المساعدات الأمريكية البالغة 3.8 مليار دولار سنوياً بامتثال إسرائيل».
إن إسرائيل لها أولوياتها الراهنة «الأمن أولاًً» قبل أي سيناريو مطروح والانتقال منه إلي مراحل أخري بصرف النظر عما يطرح أمريكيا وأوروبياً لأن استتباب الأمر في غزة لن يتم بسرعة بل ربما سيأخذ وقتاً طويلاً وممتداً ويحتاج إلي ضمانات كبري، وليس مجرد اتمام مشروع اقتصادي خاصة أن الوقت لن يسعف الرئيس ترامب لاتمام ما هو مخطط له وكذلك الجانب الإسرائيلي في ظل احتمالات تغيير الحكومة الراهنة بعد إجراء الانتخابات البرلمانية العام المقبل أي أن حجم المأمول والمطلوب اتمامه في الفترة المقبلة داخل القطاع ليس سهلاًَ ويحتاج إلي مزيد من الوقت ليبقي الهدف الرئيسي وقف إطلاق النار وتجاوب الطرفين مع هذا الهدف والاستجابة لبعض مطالب كل طرف في ظل ضمانات يمكن أن يقدمها الجانب الأمريكي في صورة تعهدات لكل طرف والعمل علي الخيارات القابلة للتنفيذ ومنها ايجاد دور للسلطة الفلسطينية ودور عربي واضح يتجاوز بالفعل ما هو قائم، إذ أن الدول العربية ستكون في حاجة لتحصين المشهد عبر قرار دولي يحظر علي إسرائيل الدخول علي الخط واستخدام العمل العسكري وتقويض مراحل الإعمار حال توافرت معلومات لأي نشاط – وهو أمر وارد – لعودة المقاومة الفلسطينية أو فشل السلطة الفلسطينية في إحكام سيطرتها علي قطاع غزة أو دخول الأطراف الفلسطينية حرب أهلية أو صراع علي السلطة بعد الرئيس محمود عباس وما يمكن أن يتم في سياق المواقف العربية الراهنة والتي قد تتضارب مصالحها في حال دخول مشروع الإعمار حيز التنفيذ هذا بافتراض المضي في سيناريو توافقي وليس تصادمياً ما يؤكد علي أن المشهد الراهن – وما سوف يؤدي إليه من مقدمات- قد يتم التعامل معه بواقعية سياسية حقيقية وليس مجرد التجاوب مع أي مقترح بما في ذلك مبادرة الرئيس ترامب حيث يبدو السيناريو المتشائم في تمكن اليمين المتطرف من اجبار الحكومة علي إجراء انتخابات، والاستمرار في العمليات العسكرية في مدينة غزة،، وهو ما يُعيق خطط إعادة الإعمار وخطط مسار إقامة دولة فلسطينية، ويعيد النقاش حول الإبادة الجماعية مجدداً.
ما يهم إسرائيل إضافة لتسلم المحتجزين حسم ملف العمل العسكري في مدينة غزة والوصول إلي عمق القطاع وتحقيق وإعلان النصر قبل 7 أكتوبر المقبل إذ أن ما يجري من تطورات سيكون مرتبطا برواية إسرائيلية مكررة هدفها مخاطبة الجمهور المعارض لسياسات نتنياهو بالأساس مع التأكيد علي قوة إسرائيل العسكرية، وأنها ستعيد تشكيل شكل الشرق الأوسط بالكامل وستعمل علي تأمين الحضور الإسرائيلي الكامل في المنطقة بأكملها مع الحفاظ علي أمن إسرائيل أولاً وأخيراً في أي تفاوض.
هذا ما يجب التعامل معه بواقعية ورؤية كيف يتم تحجيمه عربياً.