بقلم السفير
سفير مصر الأسبق
لدى إسرائيل
عاطف سيد الأهل
تمر القضية الفلسطينية فى الوقت الحالى بمرحلة من أدق مراحلها حيث تواجه العديد من المخاطر من تهديد وتفريغ وتزوير ودمار وابادة ،وعملية تصفية محسوبة من جانب اسرائيل وبدعم كامل وغير مسبوق من الادارة الأمريكية الحالية ، ويأتى فى القلب منها سعى التنظيمات اليمينية الاسرائيلية المتطرفة لفرض واقع تهويدى على المسجد الأقصى خاصة خلال العامين الماضيين اللذين شهدا زحف الآلاف من الجماعات اليهودية الى منطقة الحرم تحت حراسة الشرطة الاسرائيلية فى مناسبات واعياد يهودية مختلفة
لأداء صلوات توراتية وذبح القرابين على غرار التقاليد التلمودية القديمة فى محاولات تمهيدية للسيطرة على الأماكن المقدسة ، وهى محاولات تاريخية ومستمرة الا أن حدتها قد ازدادت فى الفترة الأخيرة ومنذ أن اعلنت اسرائيل ضم القدس عام 1980 .
تعتقد اسرائيل حسب معتقداتها واساطيرها التوراتية أن المكان ليس لديه قدسية عند المسلمين وحدهم ، فقد أطلقوا على باحة الأقصى اسم ,جبل الهيكل, أو جبل موريا ، فى اطار سياساتها القائمة على تغيير الأسماء العربية والتاريخ الثقافى والدينى للمناطق الفلسطينية ، واحتفظت اسرائيل ببوابة المغاربة المطلة على المسجد لدخول اليهود فقط وبعض السياح وأطلقوا عليها اسم بوابة رمبام (الحاخام موسى بن ميمون) كما صادرت منطقة يطلق عليها رباط الكرد على أساس انها حائط المبكى الأصغر على الرغم من انها جزء من المسجد الأقصي.
ومع مجيء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة كان موضوع فرض السيادة على الأماكن المقدسة أحد البنود الأساسية فى تشكيل الائتلاف الحاكم ، وقد كان أول عمل قام به المتطرف ايتمار بن جفير وزير الأمن القومى هو اقتحام المسجد الآقصى فى 5 يناير 2023 أى بعد خمسة ايام من تشكيل هذه الحكومة.وتزايدت وتيرة اقتحام باحة الأقصى من جانب تنظيمات متطرفة وأعضاء كنيست ووزراء فى الائتلاف الحكومى ، بل ان الحكومة الاسرائيلية عقدت اجتماعا موسعا تحت نفق المسجد الأقصى فى 27 يوليو 2023
هذا وقد سمح القانون الاسرائيلى : حرية الوصول الى الأماكن المقدسة بتقاسم مواعيد الدخول الى الحرم القدسى ، واصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية قرارين فى عامى 1976 و 2014 يجيز لليهود الصلاه فى المسجد الأقصى ، وتتولى منظمة يطلق عليها ادارة جبل الهيكل ، وهى منظمة غير حكومية، متابعة ودعم زيارات اليهود لباحة الأقصى .واعتبرت أن مسجد قبة الصخرة معلما سياحيا يدل على الغزو الاسلامى ، وبالتالى قامت الحكومة بنقل أضرحة لصحابة ومسلمين الى خارج منطقة الحرم.
اشتدت المحاولات الاسرائيلية للسيطرة على الموقع منذ عام 1967 ، وقد قامت منظمة جماعة الهيكل التى تأسست فى نفس العام بزعامة الضابط فى الجيش الاسرائيلى سالومون بمحاولة فى اكتوبر 1990 لوضع حجر اساس للهيكل المزعوم وأدى ذلك الى معركة بين الفلسطينيين والاسرائيليين ادت الى مقتل 21 واصابة المئات..
وهذه التحركات تأخذنا الى توضيح الدور الذى تقوم به الجماعات اليمينية المتطرفة فى اسرائيل والتى يتعدى عددها 72 تنظيما والتى تقوم بالاعتداء على الممتلكات الفلسطينية وتدميرها فى الضفة الغربية ، الا أنه يجب الأشارة الى أن معظم هذه التنظيمات يتركز اهتمامها على وجه التحديد بالهيكل المزعوم ، خاصة جماعة احياء الهيكل ، وجماعة حراس الهيكل وجماعة الكهنة (مشمورتهكوهانيم) وجماعة امناء الهيكل وحركة نساء من اجل الهيكل ، وحركة عائدون الى الجبل، وغيرها من الجماعات التى تشارك فى عمليات اقتحام الاقصى انطلاقا من ادعاء صهيونى واسطورة تلمودية تدعى ان هيكل سليمان تم انشاءه فى القرن العاشر قبل الميلاد ، وبعد وفاته انقسمت المملكة الى يهوذا ، من اسباط يهوذا وبنيامين وأنضم اليهم عدد من اللاويين من سبط موسى وهارون ،، اما بقية الأسباط فكونوا مملكة شكيم (نابلس) ،، وبعد انقسام المملكة حاصر نبوخذ نصر القدس ودمر الهيكل عام 586 قبل الميلاد فى السبى البابلى ، وبعد سقوط الأمبراطورية البابلية الثانية على يد قورش سمح لليهود بالعودة وبنى النبى عيزرا الهيكل الثانى عام 515 قبل الميلاد ثم تم تدميره مرة أخرى عام 70 ميلادية بمعرفة الرومان وقائدهم تيتوس
يرتبط بهذه المفاهيم أفكارا مسيانية تساندها جماعات المسيحية الصهيونية التى تربط قيام دولة اسرائيل بنبوءات الكتاب المقدس كمقدمة لمجيء المسيح الثانى الى الأرض كملك منتصر ولألف عام ، وأن هذه العودة يجب أن تسبقها ايضا الوفاء بعهود العهد القديم وعودة اليهود وتأسيس دولة وبناء الهيكل ، ويساندها فى هذا التوجه العقيدة الاسترجاعية التى ظهرت فى القرن السابع عشر فى بريطانيا والمنهج التدبيرى الذى ظهر ايضا فى بريطانيا فى القرن التاسع عشر وكلاهما باختصار يصب فى صالح الدولة اليهودية والهيكل المزعوم
ولاشك ان العديد من داعمى حملة الرئيس دونالد ترامب تنتمى الى هذه الجماعات ومنها جماعة أصدقاء صهيون ، والمسيحيون المتحدون من أجل اسرائيل ،وغيرهم ومن اتباعهم ايضا سفير الولايات المتحدة الامريكية الحالى فى اسرائيل ، التى تطالب بحق اسرائيل فى السيادة على الضفة الغربية ، وسبق لهم فى مؤتمر دينى عقد فى دالاس توجيه عريضة موقعة من ثلاثة الاف عضو تطالب ترامب بدعم السيادة الاسرائيلية على مايطلقون عليه يهودا والسامرة
شهد الصراع الفلسطينى الاسرائيلى فيما يتعلق بالمسجد الأقصى وعلى مدى سنوات عديدة انتفاضات متعددة منها انتفاضة البراق عام 1929 وانتفاضة النفق عام 1996 وانتفاضة الأقصى عام 2000 وهبة الأقصى عام 2015
الا انه بعد طوفان الأقصى ، وفى مناسبة يوم توحيد القدس ، قامت مجموعة اسرائيلية بنشر فيديو بالذكاء الأصطناعى يبين عملية تدمير المسجد الأقصى ويعد بالقيام بهذا العمل قبل الأحتفال بنفس العيد العام المقبل .
ومع تنامى وضعية اليمين المتطرف فى سدة الحكم فى اسرائيل سيكون موضوع تهويد باحة الأقصى مسألة وقت ،فى ضوء توافر الظروف الداعمة لهذا التوجه سواء فى اسرائيل أو داخل الادارة الأمريكية ذاتها.