تعبئة الجبهة الداخلية.. رفع الوعى والروح المعنوية.. بث الوطنية.. واقتصاد الحرب.. كلمة السر
تجهيز قوى الدولة الشاملة وتعبئة الجبهة الداخلية كان أحد أهم أسباب نصر أكتوبر 1973، فبعد احداث 67 وحالة الانكسار التى خيمت على الشعب المصرى قررت الدولة تجميع قوى الدولة الشاملة وتعبئة الجبهة الداخلية والالتفاف حول هدف واحد هو تحرير الأرض واسترداد الكرامة، وكان خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بداية تصحيح المسار حيث اعترف بالهزيمة وتحمله المسئولية معلنًا تنحيه عن الرئاسة ليخرج الملايين فى مظاهرات شعبية حاشدة يرفضون التنحى يطالبون بالحرب واسترداد أرض الفيروز، لتبدأ مرحلة إعداد الدولة وتجهيزها للحرب والتى شملت عدة محاور من بينها تهيئة الشعب، وإعداد الأجهزة والمؤسسات، بالإضافة إلى الإعداد السياسي، والاقتصاد الوطني، وإعادة بناء القوات المسلحة، وتجهيز أرض الدولة كمسرح للعمليات، وجاء من بعدها مرحلة الصمود والاستنزاف.
الشعب
وبدأ إعداد الشعب للحرب بإصدار القوانين المنظمة للعلاقة بين الشعب فى جميع فئاته والقوات المسلحة والدولة، مثل إصدار قانون التجنيد وتعديل شروطه وقانون التعبئة العامة للأفراد والمعدات والمنشآت، وألزمت القوانين الأفراد الذين خرجوا من القوات المسلحة ويخضعون لخطة التعبئة والتدريب تم استدعاؤهم للجيش قبل الحرب، كما تم تعبئة الجيش بأفراد مدنيين يمتهنون مهناً معينة مثل الأطباء والممرضين ومهندسين فى بعض التخصصات، وكذلك فقد استدعت القوات المسلحة العديد من وسائل النقل المدنية للحرب، حيث تم تعبئة سيارات النقل والأتوبيسات العامة ووضعها ضمن خطة التعبئة الشعبية، وكذلك تم رفع الوعى الشعبى لدى المصريين قبل الحرب من خلال مناهج التعليم فى المدارس والجامعات، ولعب الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية دورا وطنيا مهما فى تعبئة الشعب ورفع روحهم المعنوية، وأيضا استخدمت الدولة وسائل الإعلام والتليفزيون فى بث الروح الوطنية من خلال الأناشيد والأغانى الوطنية.
مكاسب دبلوماسية
فترة إعداد الدولة لحرب أكتوبر بدأت عقب 1967 مباشرة، من خلال سعى مصر السياسى والدبلوماسى الى المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وقد حققت مكاسب دبلوماسية من هذه التحركات تمثلت فى إدانة العدوان الإسرائيلى على مصر والأراضى العربية، وإصدار القرار رقم 242 من الأمم المتحدة الذى يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضى المحتلة، الا أن اسرائيل لم تنفذ القرار واستمرت فى الاحتلال، كما استمر سعى مصر لقبول مبادرات السلام التى أعلنت فى ذلك الوقت مثل مبادرتى «يارنج» و»روجرز»، بالإضافة الى مبادرات مصرية عديدة للسلام، إلا أن اسرائيل أعلنت من جانبها رفضها هذه المبادرات.
كما بدأت مصر فى تجميع القوى العربية للضغط على المجتمع الدولى وتوصلت الى شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة» فى توصيات مؤتمر القمة العربية فى الخرطوم، الذى عقد فى 29 أغسطس 1967، بمشاركة رؤساء 11 دولة عربية، وكان للرئيس الراحل أنور السادات دور دبلوماسى كبير استطاع أن يوحد القوى العربية فى تحالف واحد قوى والتنسيق معه على تنفيذ الحرب واستعادة الأرض فى ظل تعنت إسرائيل ورفضها لكل سبل السلام، وتجلت تحركات السادات وعصمت عبدالمجيد فى الأمم المتحدة وكواليسها للتغطية على استعدادات مصر للحرب.
واستطاعت مصر أن تعيد بناء القوات المسلحة وتكوين قيادات ميدانية جديدة، كما تم استحداث الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، وإعداد القيادات التعبوية الجديدة، وإعادة تشكيل القيادات فى السلاح الجوي، وإدخال نظم تدريب على كل ما هو أساسى للحرب، والتدريب على مسارح مشابهة لمسرح عمليات الحرب، كما احتفظت القوات المسلحة بالقوة الرئيسية من المجندين، واستعدت للحرب بكل ما هوحديث فى تكنولوجيا التسليح وقامت بتطوير أسلحة المشاه واستبدلت الدبابات القديمة وتم إحلال المدفعية القديمة بأخرى متطورة وتم الدفع بطائرات حديثة فى سلاح الدفاع الجوى وإدخال طرازات جديدة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة الى جانب الصواريخ طويلة المدى وكذلك تطوير معدات المهندسين العسكريين وأجهزة الكشف عن الألغام وإدخال أسلحة غير تقليدية ابتكرها مهندسون مصريون مثل قاذفات اللهب المحمولة على الأكتاف ومسدسات المياه التى استخدمت فى هدم خط برليف الرملي، وتم تدريب الجنود على أسلوب اقتحام الموانع المائية والنقاط القوية المشرفة على حمايتها، وأسلوب الدفاع عن مناطق التمركز والوحدات والمعسكرات لمواجهة العناصرالمتمركزة خلف خطوط الدفاع الإسرائيلي، وكذلك إجراء المشروعات سواء على مستوى القيادة التعبوية والإستراتيجية، أو المشروعات التكتيكية للجنود على موضوعات الهجمة المنتظرة من العدو، واستمرار وتكرار هذه المشروعات ضمن ما سمى بـ «خطة الخداع الاستراتيجي» التى وضعها المشير محمد عبدالغنى الجمسى والتى أوحت للعدو وقتها بعدم جدية مصر فى اتخاذ قرار الحرب.
اقتصاد حرب
أما الاقتصاد المصرى فقد تحول قبل حرب أكتوبر الى «اقتصاد الحرب» وهذا يعنى تعبئة جميع المصانع ومنتجاتها لاستيفاء احتياجات اللقوات المسلحة وكان للشعب المصرى دور كبير فى تلك المرحلة الفارقة من التاريخ حيث تحمل الكثير، كما كان لتحويل الاقتصاد الى الحرب أثر مباشر على الصناعة المدنية، ولجأت الدولة ضمن خطتها فى خداع العدو الى توقيع تعاقدات دولية لتوريد السلع الاستراتيجية مثل القمح على مدد زمنية غير منتظمة حتى لا تلفت انتباه العدو الى أن الدولة تقوم بتخزينها وقد تم تحقيق الاحتياطى اللازم من هذه السلع ليكفى احتياجات الدولة لمدة 6 أشهر قبل الحرب مباشرة.


مسرح العمليات
وعن مسرح عمليات أكتوبر 73 فقد تم إعداد كل أراضى الدولة كمسرح حرب من خلال إنشاء الطرق اللازمة لتحرك القوات وقد اشتركت كل قطاعات الدولة المدنية والعسكرية فى إنشاء هذه الطرق، وكان يتم وقتها الاعلان عن إنشاء شبكة الطرق طبقا للخطة الخمسية لوزارة النقل والمواصلات فتم إنشاء شبكة طرق كبيرة ومدقات لخدمة المناطق الجبلية فى الضفة الغربية، كما تم إنشاء شبكات كبارى صنعت خصيصا لتتحمل عبور المعدات الثقيلة مثل الدبابات والمدرعات وناقلات المعدات الحربية، وكذلك كبارى حديدية مؤقتة لهذه المهمة وكذلك إنشاء التحصينات على أرض المعركة وزرع الألغام اللازمة لتأمين مسرح العمليات من العدو.
كما استعدت الدولة بإنشاء مطارات عسكرية جديدة وقريبة من الضفة وتحصينها بـ «الدشم» وإنشاء شبكات المواصلات السلكية واللاسلكية وخطوط الإمداد بالوقود والمياه فى مسرح العمليات لتسهيل عملية العبور الى الضفة الشرقية، وإنشاء الملاجئ للمدنيين فى المدن والقرى لحمايتهم من تأثير نيران العدو حول الأهداف الحيوية التى قد يستهدفها فى تلك المناطق.
أجهزة الدولة
كما دعا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى إنشاء مجلس الدفاع الوطنى عام 1968 والذى تكون من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء و5 وزارات أساسية هى «الدفاع، والداخلية، والخارجية، والإعلام، والمالية» بالإضافة الى باقى الوزارات وعدد من الجهات السيادية، وكان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو وجود تنسيق فعلى بين مؤسسات الدولة لتذليل العقبات فى سبيل اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة والابتعاد عن الاجراءات الحكومية الروتينية المعروفة، وتسهيل كل العقبات التى تواجه أى خطوة فى الحرب.