حدثني صديقي – منذ شهر تقريباً- قائلا: لك أن تتخيل أن وعد العمل بالشركة (المالتي ناشيونال) من قبل أخي لأبني مهندس الكومبيوتر والمتخرج بتقدير ممتاز كان في أكتوبر 2023، بل أتذكر أنه في الأسبوع نفسه الذي قامت فيه حرب غزة، وحتى الآن مازال يقول لنا لم يبق إلا قليلاً وكل شيء يصبح على ما يرام، وينتظر ابنى بفارغ الصبر تحقق هذا الحلم، والمشكلة أن ذهنه توقف عن التفكير في أي بديل آخر، وأنا لا أملك من الأمر شيئاً.
وقد حاولت مواساة صديقي لكن في الوقت نفسه قلت له أنا لا أعرف ما إذا كان هذا الوعد سوف يتحقق أم لا؟ غير أنه لا يمكن أن نبقي في انتظار ما قد لا يأتي أبداً! لابد أن نتخلص من فخ الوعد، وأن يكمل ابنك طريقة في البحث عن طريق أو عمل آخر.
تذكرت على الفور المسرحية التي أجري حولها استطلاع للرأي في المسرح الوطني الملكي البريطاني عام 1990 وكانت النتيجة أنها أهم مسرحية في القرن العشرين باللغة الإنجليزية، إنها مسرحية “في انتظار جودو” للكاتب الأيرلندي (صامويل بيكيت) – نوبل 1969- وجودو هو الشخصية المحورية التي بنتظرها بطلي المسرحية طوال الوقت لكن لا يصل أبداً، ولا أنسى العبارة الأكثر تأثيراً في المسرحية وهي: دموع العالم كمية لا تنفد أبداً، فكل من يبدأ بالبكاء في مكان آخر، يتوقف آخر.
والسؤال: هل الانتظار نهاية مفتوحة أم له تاريخ صلاحية؟ يعبر الانتظار عن مشاعر متباينة فهو إما علامة على التفاؤل أو التوتر أو الألم متى كان هناك شىء منتظر وطال أمد انتظاره حتى فقدان الأمل في مجيئه.
وفي الانتظار تكون القيمة كل القيمة للوقت، وإلا ما معنى قيمة أن يتحقق أمل لميت! لكن هل بوسعنا التحرر من الانتظار عندما يمارس لعبته في مراوغة الوقت وغياب الاستجابة المطلوبة على وجه السرعة؟ وقد اهتمت كل الأديان بمسألة الانتظار لأنها دافع إلى الأمل الإنساني ومعه تتجلى تحديات الأسئلة التي يطرحها العقل البشري وفي كتابها “فن الانتظار” 2019 ترى (كلوديا بيبل) أن سياق وحيثيات الانتظار تجعله في موقف المسيطر والمتحكم في الإنسان، ولنا أن نتخيل أماكن أو غرف الانتظار التي تعقد صلة بين المكان والزمان لكنها غير مناسبة للطمأنينة ومن ثم يزداد عبء وثقل الانتظار.
ومن هنا يمكن السؤال: هل الانتظار وقت ضائع ونحن في حياتنا نتلقى مقابلاً مادياً في مقابل الوقت، فالوقت هو المال على حد تعبير العالم والفيلسوف وأحد الآباء المؤسسين ورئيس أمريكا (بنجامين فرانكلين) لكن ما يمكن إدراكه أن ثقافة الانتظار تختلف من ثقافة لأخرى ومن شعب لآخر – ومن خلال التعامل مع الانتظار يمكن أن تنعكس رؤية مجتمع أو شعب لذاته. ويعبر صلاح جاهين عن الانتظار بإبداع حين يقول: الدنيا أوده كبيرة للانتظار فيها ابن آدم زيه زي الحمار الهم واحد والملل مشترك ومفيش حمار بيحاول الانتحار- عجبي!!