منذ اتفاق الخرطوم حول السد الإثيوبى قبل عشرة أعوام ومصر والسودان طرقا كل الأبواب لحث إثيوبيا على توقيع اتفاق ملزم لإدارة وملء وتشغيل هذا السد حتى لاتتعرض القاهرة والخرطوم لأية أضرار ورغم كل التحركات المصرية والسودانية على المستويين الإقليمى والدولى تٌصر أثيوبيا على التمسك بموقفها الأحادى الجانب وعدم التعاون مع دولتى مصب نهر النيل بحجة أن السد لن يسبب أية أضرار لمصر والسودان حسب مايؤكد أبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا فى كل مرة تثار فيها مثل هذه المخاوف إلى أن شهدنا فى الأيام الماضية أولى أضرار سد النهضة الذى افتتح رسميا فى التاسع من سبتمبر الماضى أى قبل مرور شهر على افتتاحه حيث اجتاحت الفيضانات 6 ولايات فى السودان بسبب ارتفاع مناسيب المياه فى نهر النيل وفى السدود السودانية إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة تدفق مياه سد النهضة بكميات كبيرة مما تسبب فى وقوع أضرار بشرية ومادية فى كثير من ولايات السودان.
نعم سد النهضة هو سبب تلك الفيضانات التى شهدها السودان مؤخرا حيث قامت أثيوبيا بعمليات تفريغ عشوائية لمياه سد النهضة ما أدى إلى تدفق كميات كبيرة من المياه فى نهر النيل وصلت إلى 750 مليون متر مكعب فى اليوم الواحد حيث يقول الخبير السودانى فى القانون الدولى للمياه إن سد النهضة صرف كمية هائلة من المياه أعلى بحوالى متر ونصف المتر من أكبر فيضان اجتاح السودان فى عام 1988.
إن خبراء الموارد المائية والسدود يخشون أن يؤدى استمرار هطول الأمطار الغزيرة فى السودان والهضبة الإثيوبية إلى حدوث سيول وفيضانات مدمرة أخرى تتأثر بها كل ولايات السودان من منبع النيل الأزرق وصولا إلى امتداد نهر النيل فى الشمال عند الحدود مع مصر التى لولا السد العالى لاجتاحت تلك الفيضانات الأراضى المصرية حيث ارتفعت مناسيب المياه فى بحيرة ناصر نحو مترين أى مايعادل 15 مليار متر مكعب من المياه.
إن فيضانات السودان كشفت الأكاذيب الأثيوبية وهو ما يتطلب من أديس أبابا إن كانت حقا حسنة النية ولاتريد أن تتسبب فى إيذاء دولتى المصب أن توافق على وجود إدارة مشتركة لتشغيل هذا السد لأنه فى غياب التنسيق والتواصل بين الدول الثلاث ستتكرر مثل هذه الفيضانات فى حال ارتفاع معدلات مياه الأمطار مثلما حدث مؤخرا خاصة فى ظل توقعات بحدوث فيضان فى أكتوبر الجاري.
نعم .. لقد نجحت الدولة المصرية فى وضع العديد من الخطط الاستباقية لمواجهة أية تداعيات يمكن أن يسببها سد النهضة فبالإضافة إلى السد العالى حائط الصد المنيع تمكنت مصر من الحفاظ على ثرواتها المائية وتعزيزها من خلال العديد من المشروعات كحفر الآبار وتبطين الترع ومفيض توشكى وتحلية المياه إلا أن مصر فى نفس الوقت حذرت أثيوبيا من المساس بحقوقها المائية واستمرارها فى سياسة فرض الأمر الواقع مدفوعة فى ذلك بأجندة سياسية خاطئة حيث سبق وأن أعلنتها القيادة السياسية بأن مياه النيل مصدر حياة المصريين «خط أحمر».