عندما تقع حوادث هجوم من قبل بعض الكلاب على الأطفال أو المارة، ترتفع فوراً أصوات التهويل الإعلامي وتندفع الخطابات التحريضية داعيةً إلى حملات إبادة جماعية للكلاب الحرة في الشوارع. وقد استغل البعض هذه الحملات للتعبير عن ميولهم السادية وغير الطبيعية في ابتداع شتى وسائل التعذيب والقتل، ما يشكل خطراً أخلاقياً ونفسياً على المجتمع. ونتيجة لذلك، تنطلق الحملات الميدانية لتنفيذ عمليات قتل عشوائي لكل كلب يُصادف في الطريق.
أمام هذا المشهد، يجب علينا التساؤل: هل نحارب المرض فعلاً، أم نحارب الكائن الذي هو في حد ذاته ضحية له؟
من الواجب توضيح أن السعار ليس “جريمة الكلب”، بل هو مرض فيروسي يصيب جميع الثدييات دون استثناء، بما فيها الإنسان، والقطط، والبقر، والحيوانات البرية. الكلب، كغيره من الكائنات، هو ضحية لهذا الفيروس. فلماذا نحمله وحده المسؤولية ونحكم عليه بالإعدام الجماعي؟
العلم يؤكد: التلقيح هو الحل وليس القتل
أثبت العلم منذ عقود أن السبيل الوحيد للسيطرة على داء السعار هو مكافحة المرض نفسه وليس قتل الكلاب. التجارب العالمية واضحة: برامج التلقيح الجماعي للكلاب، إلى جانب حملات التوعية وتوفير الأمصال واللقاحات للبشر، أثبتت فعاليتها في القضاء على هذا المرض في بلدان كثيرة. وتؤكد منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للصحة الحيوانية أن التلقيح المنهجي للكلاب هو الطريق الأنجح، في حين أثبتت حملات الإبادة فشلها مرارًا وتكرارًا على مر عشرات السنين.
إضافة إلى ذلك، اعتمدت عدة دول برنامجاً ناجحاً يُعرف بـ CNVR (القبض – التعقيم – التلقيح – الإعادة). هذا البرنامج، الذي يُعرف أيضاً باسم (Animal Birth Control)، أثبت فعاليته في السيطرة على أعداد الكلاب الحرة والتقليل من خطر السعار بطريقة إنسانية وحضارية ومستدامة، بدلاً من اللجوء إلى الحلول العنيفة والمؤقتة.
الحلول المستدامة للوقاية
إن الحلول المستدامة تكمن في:
- التلقيح المكثف والمنظم لجميع الكلاب، سواء كانت مملوكة أو حرة في الشارع.
- تطبيق برنامج التعقيم للحد من تكاثر الكلاب وضمان تحصينها.
- التوعية المجتمعية حول خطورة السعار وطرق الوقاية منه.
- توفير اللقاحات والأمصال بشكل دائم وميسّر للمواطنين.
ما نشهده اليوم من حملات إبادة ليس سوى رد فعل انفعالي قصير المدى قد يرضي بعض الغاضبين أو كارهي الحيوانات مؤقتًا، لكنه لا يعالج أصل الداء. السعار لن يختفي بقتل الكلاب، بل سيجد دائمًا طريقًا آخر عبر حيوانات أخرى، وسيظل الخطر قائماً ما دمنا لم نواجه المرض بالعلم والوقاية.
يحضرني المثل الشهير: “من أراد قتل كلبه اتهمه بالسعار”. لكن الحقيقة أن قتل الكلب لن يقتل الفيروس، فالفيروس لا يموت بمجرد قتل حامله.
إنني أدعو كل مسؤول وصاحب قرار إلى مراجعة سياساته، والانتقال من منطق الإبادة إلى منطق الوقاية العلمية، حمايةً لحياة أطفالنا، واحترامًا لقيمة الكائنات الحية التي تشاركنا هذا البلد، واحترامًا للخالق ومخلوقاته، فالله لم يخلق أي كائن في هذه الأرض عبثاً، بل كل شيء بميزان ومقدار.
المهندس محمود فارس
- رئيس مؤسسة لمسات الخير لرعاية الحيوانات
- عضو التحالف العالمى لمكافحة داء الكلب (GARC)









