رغم تباعد الأعوام فإن حرب أكتوبر 1973 والتى نحتفل بذكراها هذه الأيام لا تزال حاضرة ولا تزال متوهجة وموحية.. لماذا؟ لأن الأمة العربية – وفى ظل العدوان الصهيونى المستمر عليها وحرب الإبادة التى تشن عليها – وتحديدا على غزة – لا تزال تحتاج إلى الإرادة والقوة والصبر فى مواجهة العدو الذى بات لا يردعه أحد إلا بالقوة! وتلك كانت جوهر حرب أكتوبر فى قصة الصراع مع إسرائيل!
>>>
> الآن.. نأتى إلى الحدث، وبعد أن جرت فى النهر مياه كثيرة وحط «الغربان» على الانتصار محاولين سرقته، وتوظيفه فى لعبة أمم جديدة انتهت بسرقة إسرائيلية لـ «الفرح «!، دعونا نتوقف قليلاً، اليوم أمامه لعلنا بتوقفنا نستعيد بعضاً من روح انتصار ذلك اليوم المجيد، والتى ما أحوجنا إليها فى أجواء حرب الإبادة فى غزة ومن قبلها ربيع زائف، لثورات تمت سرقتها أيضاً من قبل ذات اللصوص وإن تزينوا بلحي، أو خطاب خشبى عن ديمقراطيات صفراء، ممسكة بيد الموساد، عابرة فوق جثث الأوطان ممزقة لجيوشها، التى كانت ذات يوم تعرف بوصلة واحدة للصراع هى بوصلة الصراع مع الكيان الإسرائيلي، اليوم تعددت وانحرفت البوصلات! بفضل ثوار مزيفين، وإرهابيين بالوكالة «الإخوان والدواعش الجدد» عن عدو عتيد.
>>>
> بعودة إستراتيجية إلى حرب أكتوبر 1973 نجد الدراسات المتخصصة، وبعضها أتى من مصادر غربية، تقول إن أبرز نتائج حرب أكتوبر على المستوى الداخلى تمثلت فى عمق التخطيط العلمى والعملى للحرب مع العدو وأنه كان على مستوى عالٍ ودقيق. فقد استطاعت القوات المسلحة المصرية فى الأيام الأولى للمعركة أن تحقق هدفاً إستراتيجياً لا يختلف عليه أحد وهو «كسر النظرية الأمنية الإسرائيلية»، كما حقق الجيش المصرى إلى جانب الانتصار الإستراتيجي، انتصاراً آخر على مستوى العمل العسكرى المباشر متمثلاً فى «عملية العبور التى اكتسحت مانعاً مائياً ضخماً – خط بارليف – فى 6 ساعات» ثم دخلت لعدة أيام فى معارك بالمدرعات والطيران، وأمنت لنفسها عدة رءوس جسور داخل سيناء وألحقت بالعدو خسائر وصلت إلى ربع طائراته وثلث دباباته تقريباً فى ظرف أسبوع واحد من القتال.
> وداخلياً أيضاً وعلى مستوى الجندى المصرى فجرت الحرب والظروف التى نشبت فيها طاقة إنسانية لم يكن أحد يحسب لها حساب، أو يخطر بباله أنها موجودة على هذه الدرجة من الاقتدار والبطولة عند الجندى والضابط المصري، وزادت الحرب من تماسك الجبهة الداخلية ورفضها للتدخل الأجنبى والمساهمة فى دفع عملية الاقتصاد خطوات للأمام وإحساس الناس بالوحدة والتضامن بعد طول صبر على الاحتلال ومجييء النصر.
> أما على المستوى العربى فقد أعاد نصر أكتوبر للشارع العربى ثقته فى ذاته، بعد أن كانت تجتاحه حالة من الإحباط الشديد إثر هزيمة 1967 والتى رافقها العديد من المظاهر الاجتماعية السلبية فى الوطن العربي، ومن النتائج أيضاً أن المواقف العربية خلال الحرب أظهرت وعداً بعصر عربى جديد تتحد فيه كلمتهم ضد العدو، وفى الحرب استخدمت كل أسلحة الحرب من اقتصادية «النفط» إلى السياسية والثقافية «الأدب والموسيقى والشعر.. إلخ». أما على المستوى الإسرائيلى فقد انكسرت نظرية الأمن الإسرائيلى على المستوى الإستراتيجى والتى تقوم على عدة مرتكزات أبرزها، التفوق الكيفى أمام الكم العربي، ولقد أحدث انكسار هذه النظرية صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل فى التاريخ القصير لدولة الكيان الإسرائيلي، وقد أدى ذلك بدوره إلى تفكك تركيبة القيادة السياسية والعسكرية فى إسرائيل، وتمزق العلاقات فى ما بينها وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات وتصفية الحسابات .
>>>
> وعلى مستوى الرأى العام الإسرائيلى أدى انكسار وهزيمة المنظومة العسكرية والأمنية، إلى سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة على رأسها الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، والذى كان أمل إسرائيل وموضع اعتزازها الأول، وأيضاً سقطت صورة المخابرات الإسرائيلية التى كانت غائبة عن مسرح الأحداث بالمعلومات والكشف والتحليل. كما سقطت شخصيات إسرائيلية كانت مثل أصنام لدى الرأى العام الإسرائيلى ومنها غولدامائير وموشى ديان.
>>>
> لقد أعادت حرب أكتوبر 1973 روح التحدى والصمود إلى الشخصية المصرية والعربية، إن إرادة الصمود والقوة والنصر هى ما نحتاجه اليوم فى مصر والمنطقة، بعد حرب الإبادة والتطهير العرقى فى غزة منذ أكتوبر2023 وحتى اليوم.. وهذا التدمير الممنهج لقطاع غزة يؤكد للجميع «أن الحرب فى غزة والعين على كافة الدول العربية» وإسرائيل بلا مصداقية حقيقة وضربها لإيران ثم لقطر يؤكد أننا أما وحش جديد يتحالف أو يتقاطع وظيفيا مع وحش آخر داخلى اسمه «داعش والاخوان الجدد» وعلينا أن نواجه الاثنين معا ولا تستقيم المواجهة إلا باستعادة جادة لروحية حرب أكتوبر 1973 والتى تأتى الوحدة والقوة والإرادة على رأس مكوناتها… وفى ذلك فليتنافس المتنافسون!