تابعت باهتمام بالغ حادثة سرقة الأسورة الفرعونية على يد إحدى أخصائيات الترميم، وبيعها لأحد تجار الفضة بمبلغ زهيد. ورغم أن السرقة تمت بدافع الحصول على المال، وأن أخصائية الترميم كانت على دراية جيدة بقيمة الأثر التاريخية، إلا أن التحقيقات، بحسب ما تداولته الأخبار، أكدت الواقعة، ولم يتحدث أحد عن الحجر الذى كان يزين منتصف الأسورة، وهو جزء أساسى من قيمتها التاريخية والجمالية.
أسئلة كثيرة جالت فى ذهنى، خاصة وأن عمر الأسورة يقارب 3000 سنة، وأنها تعود للملك أمنموب من الأسرة الحادية والعشرين. لم أجد إجابة شافية حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
الحادثة أعادت إلى ذهنى أخبار تنقيب بعض المواطنين فى الأحياء الشعبية القديمة عن الآثار، بحثًا عن الثراء، وهو ما أدى إلى انهيار منازل، من الإسكندرية حتى أقاصى الصعيد، وما يزال التنقيب مستمرًا، خاصة فى ظل ضعف العقوبات غالبًا.
هنا يبرز الانتباه إلى غياب التخطيط الإستراتيجى لمواجهة المخاطر، ومدى قدرتنا على حماية إرث يمتد لآلاف السنين، سواء كان بحوزة جهات أثرية أو ثقافية، أو لا يزال قابعا فى باطن الأرض. المشكلة ليست فى الاعتماد على أجهزة أو تقنيات قديمة، بل تمتد إلى الجانب الإدارى والتنظيمى، حيث يُستغل الفقر وغياب التوعية لتهديد التراث الوطنى، مما يضر بالسياحة ويقلل الثقة العالمية فى قدرتنا على حماية آثارنا.
نحن بحاجة ماسة لزيادة المحاسبة فى كافة الجهات المعنية. فالمساءلة يجب ألا تقتصر على معاقبة منفذى السرقة الأخيرة، بل تشمل المسئولين الإداريين فى كل الجهات المختصة، للتصدى لثقافة الإفلات من العقاب التى تتجذر يومًا بعد يوم، وتدفع بالمخاطر لمستويات أعلى تهدد التراث والحاضر والماضى.
غياب الوعى المجتمعى يعزز هذه المخاطر، فالمواطن يجب أن يكون شريكًا فى حماية التراث. لقد فشلنا فى إشراكه، مما سمح بازدهار التنقيب غير القانونى، وزيادة المخاطر، ووضع التراث فى مرمى تجارة السوق السوداء.
لنجعل من هذه الحادثة فرصة لمراجعة شاملة لمسار حماية تراثنا الوطنى، فحماية التراث يجب أن تكون مسئولية جماعية، لضمان صون الماضى والحاضر، وليرتفع فخر أبنائنا بالماضى العريق ويستلهموا منه المستقبل.