في زمن التزييف والخيانات العلنية وجماعات المرتزقة الذين لا دين لهم ولا جنسية، لا بديل عن كشف الحقائق والتجريس لكل «مدعي» وفضح كل «متخفى» وراء الشعارات الكاذبة، فليس مقبولًا أن نترك الأوطان عُرضة لمن لا يعرفون معنى الانتماء وقيمة الولاء للوطن ومستعدون لبيعه بأبخس الأثمان.
الموقف المصرى الحاسم هو السبب الحقيقى فى التراجع عن «مخطط التهجير» رغمًا عن «تل أبيب»
لو وجدت مصر رغبة حقيقية من حماس وإسرائيل في إيقاف الحرب.. لتمكنت من حقن دماء الأبرياء مبكرًا
ما يحدث مع مصر من ميليشيات الجماعة الإرهابية في القضية الفلسطينية طوال العامين الماضيين زاد على الحد سواء تظاهرات مخططة أمام السفارات أو ترويج أكاذيب متعمدة لتشويه موقف الدولة أو التحريض على القيادة المصرية وفي كل هذا تعتمد الجماعة الإرهابية على خداع البسطاء، وأننا لا تروج لروايتنا الحقيقية بما يليق بها بل نترفع أحيانا عن ذكر ما تقدمه الدولة المصرية على اعتبار أن هذا هو الطبيعي بينما الجماعة الخائنة لا تتردد في تشويهه.
هنا يصبح ذكر الحقائق المصرية فرض عين علينا جميعا لأننا في حرب لا تعرف الشرف والصمت فيها جريمة والترفع عن خوضها تقصير الحقائق المصرية في القضية الفلسطينية كثيرة والأرقام تسد عين الشمس.
فما قدمته وتقدمه مصر لغزة منذ اندلاع الحرب وما تقوم به من جهد لدعم الأشقاء والدفاع عن حقوقهم يصعب تلخيصه في مقالات معدودة بل يحتاج مجلدات ترصده، وأي جزء من هذا الجهد يكفى لدحض الأكاذيب الإخوانية.
أولى الحقائق التي يجب أن نتحدث عنها ويعلمها كل مصرى أن الموقف السياسي الحاسم للقاهرة والذي تسعى جماعة الإخوان لتشويهه كان السبب الحقيقى فى إيقاف مخطط التهجير رغما عن تل أبيب، وفرض إبقاء الفلسطينيين في أرضهم، بل كان لهذا الموقف المصرى الدور الأكبر في أن تتضمن خطة ترامب لإنهاء الحرب البنود الأربعة التي تمسكت بها مصر واعتبرتها ثوابت لا تنازل عنها، سواء عدم تصفية القضية أو عدم التهجير، واستمرار إدخال المساعدات وإعادة اعمار غزة، واستمرار السلطة الفلسطينية ودعمها، صحيح مبادرة «ترامب» فيها سلبيات وإيجابيات ومصيرها يعتمد على الفلسطينيين أنفسهم لأنهم أصحاب القرار، لكن ما يهمنا هو أن المبادرة لم تتجاوز ثوايت مصريل اخترقتها.
الثانية أنه لم يكن من السهل أبدا أن تتغير الرؤية الأمريكية بهذا الشكل من المساندة الكاملة والعمياء لتل أبيب في مخططها الخبيث القائم على تصفية قضية فلسطين، إلى تجاوب وقبول بعدم التهجير بل ووضع مبادرتها لإنهاء الحرب على هذه الأرضية، لم يكن هذا ليحدث لولا أن البيت الأبيض وجد أمامه دولة كبيرة ومؤثرة لم تغير ثوابتها ولم تقبل بأن تتخلى عن دورها في دعم فلسطين والحفاظ عليها، فموقف مصر وقيادتها هو الحاسم في المعادلة وهو الذي غير البوصلة الأمريكية نفسها.
الثالثة أن الوصول إلى هذه النقطة كان له تكلفة كبيرة، فما عرض على مصر منذ البداية لتقبل بالتهجير كثير، إغراءات لم يكن من السهل أن ترفض، وأيضا ضغوط لم يكن من السهل أن تتحملها دولة، لكن مصر رفضت كل هذا وقبلت أن تدفع ثمن موقفها وأن تتحمل العواقب دفاعا عن إحياء وبقاء القضية الفلسطينية وفى الوقت نفسه أيضا حماية الأمن القومي المصري وهذا ما فهمته واشنطن، واضطرت في النهاية للتعامل مع الواقع الذي فرضته مصر وليس طرف آخر.
الرابعة أنه منذ بداية الأزمة لو وجدت مصر دعما ورغبة حقيقية فى وقف الحرب من جانب حماس لكان من الممكن حقن دماء آلاف الأبرياء مبكرًا، لكن للأسف مصر طوال الفترة الماضية تتحرك مع الشركاء بين طرفين يغلبون مصلحتهم على حياة البشر، إسرائيل لا تسعى لوقف الحرب لأن حكومة نتنياهو تريد أن تستمر لتحقيق أهدافها العسكرية بالكامل والهروب من المحاكمة الداخلية ومنع انهيار التحالف اليمينى المتطرف، وفى المقابل حماس لا تريد هي الأخرى أن تتوقف الحرب لأن أولوياتها ليست الدولة الفلسطينية أو حياة المواطنين وإنما أن تنتصر لنفسها وتحقق مصالحها، وترسم نفسها كمدافع عن فلسطين دون وجه حق، وما بين الاثنين وأغراضهما الخاصة تعثرت كثير من خطى التهدئة، بل وكلما كان يتم التوافق على بنود الاتفاق نجد إصرارا من الطرفين على مخالفتها وارتكاب تجاوزات من أجل عودة الحرب على حساب الدماء البريئة.
الخامسة أنه رغم كل ذلك ورغم عدم استماع حماس للنصائح المصرية المتكررة بالابتعاد عن الاستفزاز وعدم إهدار الفرص المتاحة لوقف الحرب، ورغم الحملات القذرة ضد مصر من جماعة الإخوان التى تنتمى لها الحركة، وتعمل وفق أجندتها، والمظاهرات المخططة ضد القاهرة، رغم كل ذلك لم تتوقف مصر عن مساعيها الجادة للتفاوض ولا عن جهودها المساندة الفلسطينيين وافساد مخططات إسرائيل إيمانا بأن الذي يدفع ثمن كل هذا هو الشعب الفلسطيني البرئ وليس حماس.
السادسة أن هذا الدور المصرى التاريخي المشرف ليس خافيا على أحد وأولهم الفلسطينيون، الذين يعلمون كيف أن مؤسسات الدولة المصرية كلها تخصص الجزء الأكبر من جهدها لصالح إنقاذ غزة، سواء المفاوضات التي لا تنتهى والاتصالات والمباحثات التي لا تتوقف من أجل إيقاف الحرب، ومنع الظلم الواقع على الفلسطينيين دون ذنب.
السابعة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الجهد السياسي والدبلوماسى الكبير الذي لولاه لكان للقضية مسار آخر كارثي، بل امتد الدور المصرى أيضا إلى الدعم الإنساني الذي يصعب على أى دولة أخرى أن تقدمه لكن مصر قدمته وستظل تقدمه مهما كان الثمن دعما للأشقاء فى مواجهة المعاناة الإنسانية المفروضة عليهم والأرقام وحدها كفيلة بكشف حجم ما تقدمه مصر إنسانيا للفلسطينيين لن نتحدث الكميات الهائلة من المساعدات التي دخلت غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، وإنما تكفى أرقام ما بعد عودة العملية العسكرية الإسرائيلية الوحشية في يوليو الماضي، فقوافل العزة المصرية وحدها نجحت في إدخال أكثر من 65 ألف طن من المساعدات عبر نحو 3 آلاف شاحنة، بالإضافة إلى أكثر من 100 ألف عبوة ألبان حماية وإنقاذا لأطفال القطاع المعذبين.
الثامنة أن مصر لم تقدم مساعدات غذائية ودواء فقط بل أقامت 6 مخيمات وسط القطاع لاستيعاب الفلسطينيين النازحين، وخلال شهر فقط مخطط أن يصل العدد إلى عشرة مخيمات تكفى لإيواء نحو 400 ألف فلسطيني، وكلها تدار من خلال اللجنة المصرية لدعم الأشقاء.
التاسعة أن هذه المخيمات كلها بجهود مصرية خالصة دون مساهمة من أحد، وقد أصبحت هذه المخيمات تمثل مناطق الأمان لأبناء غزة لدرجة أن كثيرين ممن لم يتمكنوا من إيجاد مكان لهم فيها قرروا الإقامة حولها لأنهم يشعرون بأنهم في مأمن طالما أن علم مصر بجوارهم، وهذا وحده يكفى لإثبات كيف يثق الفلسطينيون في مصر.
العاشرة أن صدق النوايا والمساعدات المصرية جعل الآلاف من أهل غزة يمدون أيديهم ويتعاونون للعمل في هذه المخيمات وإدارتها ومساعدة المقيمين فيها، ويؤكدون شكرهم لمصر على جهودها، وهو شكر صادق أيضا لأنه من أسر تواجه معاناة دون ذنب. فهم ما بين وحشية احتلال لا يعرف الإنسانية وفصائل لا تعنيها حياة الناس.
الحادية عشرة أن جزءا من المساعدات المستمرة التي تقوم عليها مصر هو إقامة 7 مخابز بالقطاع بطاقة إنتاجية نحو 13 ألف رغيف في اليوم لتوفر للمواطنين احتياجاتهم من الخبز، كما تدخل يوميا مواد غذائية تتجاوز الـ 40 ألف كرتونة يوميا لمساندة الأسر المشردة.
الثانية عشرة أن إسرائيل بعد أن فشلت في التهجير القسرى بسبب الموقف المصرى الحاسم والقوى الذى فضح مخططها عالميا، أدركت أن هذا الطريق مسدود وكما قال نتنياهو في أحد الاجتماعات إنه من المستحيل إقناع المصريين بهذا الأمر، لجأت تل أبيب إلى أسلوب التهجير التطوعي عبر الاتفاق مع بعض الدول الأخرى وكل يوم تقريبا يخرج من غزة ما يقرب من 500 مواطن تحت مسميات مختلفة لكنها جميعا تصب في حساب التهجير، واللافت أن الإخوان الذين يتاجرون بالقضية يدعمون عمليات التهجير ويروجون لها تحت شعارات زائفة كعادتهم.
هذه ليست كل الحقائق بل قليل من الحقائق التي لا ينكرها إلا جاحد وكلها تؤكد أن مصر هي التي تحاصر مخطط التجويع الإسرائيلي وتساند الأشقاء في غزة لتخفف عنهم وتوفر ما تستطيع من احتياجاتهم الغذائية والدوائية، لكن الغريب بعد كل هذا أن تخرج الأبواق الإخوانية بكل بجاحة لتنكر كل هذا وتروج كذبا أن مصر تساهم في حصار غزة، وللأسف ينخدع البعض بأكاذيبهم.
فهل هناك خيانة للوطن والقضية أسوا من هذا؟
الخلاصة أن فلسطين وشعبها يبكون ويتأملون ليس فقط من العدوان الإسرائيلي الوحشى وإنما أيضا ممن يتاجرون بهم ويتريحون على حساب قضيتهم.
فلسطين الأمانة التي يتحمل مسئوليتها كل عربي ومسلم تخلى عنها أكثر من كانوا يدعون الدفاع عنها، باعوها لصالح مخطط التصفية وتدمير حلم الدولة، والأخطر أنهم يرتكبون هذه الجريمة ويريدون إلصاقها بمصر لصالح تل أبيب، فينس ما يفعل هؤلاء المرجفون في أرض فلسطين.