رغم الفوائد المحتملة لتجربة دولة ألبانيا فى تعيين «دييلا»، الوزيرة الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعى والمكلّفة بالإشراف على المناقصات العامة ومكافحة الفساد، إلا أن هناك عدة جوانب تستدعى الحذر، قد تُعيق تحقيق الأهداف المعلنة لهذه المبادرة، والتى تناولنا جانبًا منها فى المقال السابق.
من يتحمّل المسؤولية إذا ارتكبت «دييلا»خطأً فى اتخاذ قرار ما؟ هل يقع اللوم على المطورين؟ أم على الوزارة؟ أم على الحكومة ككل؟ ومن يتحمل تبعات قرارات هذه «الوزيرة الافتراضية»؟ كيف يمكن ضمان أن الخوارزميات التى تعتمد عليها «دييلا» محصنة دائمًا من الاختراق أو التلاعب؟ ماذا لو نجح أحد المتقدمين للمناقصات فى اختراق النظام أو التأثير على النتائج؟ هل توجد آليات للطعن أو الاعتراض؟ ومن يبت فى هذه الاعتراضات؟ وهل تتمتع «دييلا» بأى صلاحيات قضائية أو تنفيذية؟..وتساؤلات كثيرة تطرح إشكاليات كبيرة فى مفاهيم العدالة والمحاسبة، خاصةً فى ظل تطور قدرات القراصنة (الهاكرز) ومهاراتهم المتقدمة .
لذلك يتوجب وجود إشراف بشرى فعال قادر على التدخل فى الوقت المناسب لمراجعة النظام ونتائجه، وضمان الشفافية فى البيانات والمعايير المستخدمة،وغياب هذا الدور البشرى قد يؤدى إلى قرارات غير منصفة، أو حتى كوارث إدارية يصعب تصحيحها لاحقًا، كما أن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعى يحمل فى طياته العديد من المخاطر، بدءًا من الهجمات السيبرانية، مرورًا بإمكانية التلاعب بالبيانات، وصولًا إلى أعطال تقنية قد تعيق الخدمة تمامًا أو تؤدى إلى اتخاذ قرارات خاطئة، وهذا يؤكد أن الأنظمة الذكية ليست مؤمنة بنسبة 100%، وتحتاج باستمرار إلى تطوير السياسات والإعدادات الخاصة بها أولا بأول، ولا يزال هناك تردد لدى بعض المواطنين والسياسيين بشأن الثقة فى كيان افتراضى يتخذ قرارات فى بيئة سياسية شديدة الحساسية. قد يُنظر إلى هذه التجربة على أنها مجرد واجهة دعائية حديثة، لا حلًا حقيقيًا لمشكلة الفساد وسوء الإدارة.
تُعد خطوة «الوزيرة الافتراضية» جريئة ومبتكرة، ورسالة واضحة من الحكومة الألبانية على رغبتها فى مواكبة التكنولوجيا الحديثة، واستخدامها كأداة لمحاربة الفساد وتحسين كفاءة الإدارة العامة، لكن نجاح هذه الخطوة لن يتحقق بالتكنولوجيا وحدها، بل يتطلب وجود تشريعات واضحة تحدد الصلاحيات والمسؤوليات، وآليات فعالة للمساءلة والطعن، وطبعا تقنيات عالية للحماية الأمنية ضد الاختراقات والهجمات، بالإضافة إلى الإشراف المستقل والرقابة المستمرة من المجتمع المدنى والهيئات الدولية عند الحاجة، وقتها فقط يمكن تقييم هذه التجربة بشكل عادل، وتحديد ما إذا كانت «دييلا» تمثّل مستقبلًا حقيقيًا للحكومة الذكية، أم مجرّد تجربة محفوفة بالمخاطر.