كنت طالباً فى الثالث الإعدادى عندما مات الزعيم جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 وعشت مواكب الحزن والألم التى اجتاحت مصر وكان بلدتى الجمالية دقهلية نموذجا مصغراً من مصر الكبيرة.. وكانت يعيش معنا مهاجرون من أبناء خط القناة خاصة من بورسعيد وعشت معهم آلام الحزن على رحيل الزعيم والألم الذى اجتاح مصر كلها على فراق ناصر.
وكنت فى الثالث الثانوى عندما عبرنا القناة وانتصرنا على العدو ورفعنا العلم فى سيناء.. وانتصرنا فى أكتوبر 1973 وبعدها بعام التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة.. وفى تلك الفترة كان تأسيس الوعى الوطنى لدى شاب صغير بسيط فى الريف المصرى يتأسس ليكون صحفيا.. تعلمت وعرفت من هو عبدالناصر وما هى مصر العظيمة.. مصر ناصر.. ومصر القومية العربية.. مصر الكبيرة والعظيمة مهما كانت الأزمات والأحزان.. الآن وبعد كل هذه السنوات أتساءل بينى وبين نفسى ماذا حدث للإنسان المصري؟
كان الطفل الذى يغيب عن المدرسة ويبتعد عن الدراسة يحال والده إلى التحقيق لأنه أهمل حق الطفل.. الآن أسعار المدارس وتكلفة الدراسة تسببت فى ابتعاد كثير من الأبناء عن الدراسة.. بل أصبح من السهل أن تجد طفلاً يقود توك توك لأنه يكسب فى اليوم عدداً من الجنيهات لن يكسبها إذا درس أو تعلم أو حتى تعلم صنعة أو حرفة.. وهذا إنذار للغد لن نجد صناعاً مهرة أو حرفيين حقيقيين تعلموا المهنة مثلما كان لدينا زمان «بلية» فى كل مهنة.
ما حدث للطفولة والأطفال يحتاج وقفة ضرورية.. فالأطفال لا تربيهم بيوتهم ولا مدارسهم ولا المساجد ولا الكنائس بل التليفون والتابلت.. وما يبث عبر السوشيال ميديا وما أدراك ما السوشيال ميديا وآثارها القاتلة السلبية؟
أطفال اليوم هم رجال ونساء الغد وهم أعمدة المجتمع القادم.. لكنهم يواجهون حرباً حقيقية ضد وعيهم.. كنا ونحن صغار نذهب إلى الكتاتيب لحفظ القرآن..ولم يكن مجرد حفظ بل فهم ووعى ومساجد نذهب إليها للصلاة.. اليوم تجد الأب يصطحب ابنه الصغير أو ابنته الصغيرة لصلاة الجمعة بالكاد.. وإن نجح فى ذلك!! كان للمعلم قيمة وقامة.. ونقدا شعراً: قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا.
كنا ونحن فى المرحلة الابتدائية إذا رأينا مدرسنا يسير فى الشارع نقف له احتراماً.. وإذا كنا نلعب الكرة نتوقف عن اللعب حتى يمر المدرس مهاباً معززاً مكرماً.. اليوم أين قيمة المعلم؟.. وكم راتبه وكم هو معاشه؟
خسرنا حرب 1967 ولم نخسر قيمنا.. فكانت الحرب الحقيقية علينا هى خسارة القيم وهزيمة المبادئ.. وخسارة قيمة الإنسان.. بدأنا بكسر قيمة الكبير.. سواء كبير العائلة أو كبير مجتمع ما.. فخسرنا قيمة المجتمع كله أو الإنسانية كلها.. وهكذا بدأت الحرب فى تكسير المجتمع وقيمه ومبادئه.. وبدأ التشكيك فى الدين حتى نخسر مبادئ الدين نفسه.. ثم.. ثم.. وهكذا كانت الحرب ضدنا فى الداخل بعد أن اكتشف الأعداء أننا لن نخسر حتى لو هزمنا العدو.. فنحن قادرون على العودة بقوة.. بقوة الشعب.. ولأن الجيش هو الشعب والسند.
فى 67 خسرنا الحرب وكان ذلك يوم 5 يونيو.. وفى يوم 9 يونيو خرج الشعب بالكامل يرفض الهزيمة ويرفض تنحى عبدالناصر عن السلطة.. وكان التصميم والإرادة.. وبدأت حرب الاستنزاف..وانتصرت مصر.. ثم حرب أكتوبر وانتصرت مصر لتؤكد من جديد ودائماً وأبداً.. أن مصر لم ولن تهزم.. مصر دائماً وأبداً هى القلب وإذا كان القلب سليماً فإن الجسد كله سيعيش.. وهكذا استمرت مصر قلب العروبة النابض مادامت قوية.. ولذلك فإن الهدف لدى العدو هو الداخل.. هو الشعب.. هو المجتمع.. ولن تنجح كل تلك المؤامرات.. وبين رحيل ناصر وانتصار أكتوبر ستظل مصر هى القلب النابض وإن شاء الله إلى الأبد!