أكتوبر لمن عاصروه ليس شهرًا تقليديًا وليس تاريخًا يقبل النسيان، بل هو ذاكرة أمة ونقطة تحوُّل فى تاريخ المنطقة العربية والعالم أجمع. أكتوبر هو من رسَّخ فيه الجيش المصرى النظريات الجديدة والحديثة التى تُدرَّس فى أكبر الأكاديميات والمنتديات العسكرية حتى اليوم. أكتوبر شهادة ميلاد جديدة وتحديث لبيانات كانت مغلوطة، كُتبت بمداد لا يُمحى وتضحيات قدَّمها المصريون على كل الأصعدة وفى كل الجبهات. الجميع قدَّم دون انتظار لمغنم أو كلمة شكر. الفلاح والعامل والصانع والطبيب والمهندس، وربما كان الأرقى والأزهى هو ما قدَّمه الجندى المصرى من بطولات وتضحيات ما زالت راسخة ومحفورة فى القلوب والعقول. أكتوبر هو التاريخ الحقيقى لولادة الجمهورية الجديدة والحديثة التى ننتظرها ونطمع فى رؤيتها وترجمتها على أرض الواقع.أكتوبر الذى نعرفه ما زالت أحداثه وتجلياته ومعجزاته فى طى الكتمان.
وهو ما يجب صياغته وتدريسه لأولادنا وبناتنا؟ مبلغ علمى أنه لم يحدث حتى الآن. ولماذا لا يعرفون أننا حفرنا النصر قبل العبور، وحددنا الهدف وقدمنا التضحيات الكبيرة، فكانت إرادة السماء وما بين بدر وأكتوبر هَمَزَات. القائد فى قلب الميدان والتضحيات من كل البلاد، من الصعيد ومن بَحْرِي، من الإسكندرية ومن أسوان. لا تحدثنى عن الدين فهو لله والوطن للجميع. اختلطت الدماء وانصهرت الأهداف، لا فرق بين مسلم ومسيحي، فقد كانوا جميعًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا. فى الخطوط الأمامية كانوا يعبدون الله ويتضرعون إليه، ثأرًا لضحايانا المغدور بهم فى 67 ثأروا لقتلانا ضحايا أبو زعبل وشهداء مدرسة بحر البقر. أرواح الشهداء كانت حاضرة، وقد أقسم لى أحد الضباط أن رائحة البارود فى حرب أكتوبر المجيدة كانت كرائحة المسك.أكتوبر لمن لا يعلم هو من تم تحديد ساعة الصفر فيه بالمخالفة لكل أبجديات المعارك السابقة واللاحقة، فالمعلوم أن ساعة الصفر تكون إما مع شروق الشمس وإما مع غروبها. أما عن معركة المنصورة فقل ولا تقل: قل عاش الأبطال، والمجد لمن صنعوا الملحمة. لقد حاول الأوغاد كسر عزيمتنا وتخفيف الضغط على جُرْذَانِهِم فى الخطوط الأمامية، فكان تفكيرهم بهجوم مباغت لطائرات الفانتوم أمريكية الصنع. يومها كان رجالنا لهم بالمرصاد والعزيمة التى لا تلين.
عبرنا القناة وتحطمت آلة الحرب الصهيونية وتحطَّم خط بارليف، هذا المانع المائى والذى لطالما روَّجوا له أنه لا يُقهر. فى الداخل كانت الجبهة قوية ومتماسكة. انخفضت أعداد الجريمة والأرقام لا تكذب وسجلات المركز القومى للبحوث الجنائية شاهد عيان حتى اليوم. وفى مناطق المواجهة كنا رجالًا. من قبل عبرنا القناة واليوم العبور الحقيقى يجب أن يكون على كل الأصعدة. العبور بالتعليم إلى أزمنته الوارفة، والعبور بالصناعة لتكون لنا الريادة، والعبور بالاقتصاد والتنمية لنكون فى مصاف الدول الرائدة. الاستثمار الحقيقى للإنسان المصرى والعقول التى لا تُضاهَى واستغلال قواه وقدراته، هذا ما يجب أن يكون وما ننتظره. وقد يكون أرقى الدروس أن مصر قديمًا وحديثًا تملك رجالًا يؤمنون أن الموت فى سبيل الله هو الشرف الحقيقى وأن بقاء الوطن هو أنبل ما يتمناه الإنسان المخلص لبلده، دون غيرهم.