من التخلص العشوائى من زيوت الطعام فى الصرف الصحى إلى جمعها وتدويرها وبيعها للمواطنين كوارث بيئية وصحية صامتة، حيث يتسبب لتر واحد من هذه الزيوت فى تلوث أكثر من ألف لتر مكعب من المياه، وهو ما يرهق الدولة بتكاليف سنوية باهظة لمعالجة آثارها وحماية مواردنا المائية.
وزارة البيئة اتخذت خطوات هامة لوضع حد لهذه الطاهرة خاصة تجميع وتجارة الزيوت المستعملة بعد تناميها وانتشار سيارات تجوب الأحياء وشوارع مصر وحواريها لجمع هذه الزيوت عبر الميكروفونات المزعجة مقابل اسعار تبلغ للكيلو 35 جنيهًا، لتتسرب إلى مصانع بير السلم حيث يعاد تكريرها وتباع كزيوت طعام تهدد صحة الملايين. لكن هذا المشهد بدأ يتغير مؤخرًا مع الاجراءات الجديدة لوزارة البيئة لوضع حد للفوضى عبر إطلاق مبادرة قومية لجمع الزيت المستعمل من البيوت والمطاعم والمصانع الغذائية، وتحويله إلى وقود حيوى «بيوديزل» يُستخدم فى الطائرات، فى إطار تبنى مفهوم الاقتصاد الدوار الذى يحول النفايات إلى موارد، ولم تقتصر المبادرة على فكرة الجمع فقط، بل دعمتها بقرارات وتشريعات جديدة لتنظيم تداول الزيوت المستعملة وإخضاعها لرقابة صارمة تحول دون تسربها إلى الأسواق غير الرسمية.
تقديرات وزارة البيئة تشير إلى إمكانية إنتاج أكثر من 500 ألف طن من الزيوت المستعملة سنويًا، يمكن بعد معالجتها انتاج 400 ألف طن وقوداً حيوياً، أى ما يعادل نصف مليار لتر سنويًا، وهو رقم يمثل حوالى 45٪ من استهلاك مصر من وقود الطائرات، وقد ترجمت الدولة هذا التوجه إلى خطوات فعلية من خلال إطلاق مشروع رائد تحت اسم ESAF باستثمارات تفوق 530 مليون دولار، يستهدف إنتاج 120 ألف طن سنويًا من الوقود الحيوى للطائرات، مع توقعات بخفض الانبعاثات بما يقرب من 400 ألف طن سنويًا، بما يعزز مكانة مصر كشريك أساسى فى صناعة الوقود المستدام عالمياً.
تحرك الدولة تمثل فى إصدار جهاز تنظيم إدارة المخلفات بوزارة البيئة قرارًا بترخيص أنشطة تداول زيوت الطعام المستعملة، يفرض إجراءات واضحة لإصدار التصاريح تشمل الجمع والنقل والتخزين والتصدير، كما ألزمت المنظومة الشركات بالتسجيل الإلكترونى على موقع الجهاز وتخصيص سجلات دقيقة لتتبع الكميات، مع اشتراط تسليمها حصريًا إلى مصانع مرخصة لإعادة التدوير، فى خطوة تهدف لإغلاق الباب أمام مصانع بير السلم، كما تم وضع دليل إرشادى شامل ينظم عمل الشركات من لحظة جمع الزيت وحتى وصوله للمصانع، بما يضمن الشفافية ويمنع التداخل بين الشركات العاملة.
أكد ياسر عبدالله، الرئيس التنفيذى لجهاز تنظيم إدارة المخلفات، أن التراخيص تُمنح فقط للشركات التى تمتلك الإمكانيات الكافية لعمليات الجمع والتخزين والنقل الآمن، وأنه سيتم تخصيص مناطق عمل محددة لكل شركة بالتنسيق مع المحليات.و أن السيارات المخصصة للجمع ستحمل العلامة التجارية للشركة، والعاملون سيكونون بزى مميز وبطاقات تعريف رسمية، مع إطلاق حملات توعية لتشجيع المواطنين على التعاون مع الشركات المعتمدة مقابل حوافز فى صورة منتجات آمنة مثل المنظفات والزيوت الجديدة.
التحرك الرسمى لوزارة البيئة يأتى فى ظل توجه عالمى نحو خفض الانبعاثات الكربونية، إذ تشير أحدث التقارير إلى أن حجم سوق الزيوت المستعملة عالميًا بلغ 7.43 مليار دولار فى 2025، مع توقعات بتضاعفه ليصل إلى 14 مليار دولار بحلول 2032، كما أظهرت الدراسات أن وقود الطائرات المستدام (SAF) المستخرج من الزيوت المستعملة قادر على خفض الانبعاثات بنسبة تصل إلى 63٪ مقارنة بالوقود التقليدي، ما يجعله خيارًا استراتيجيًا لمستقبل صناعة الطيران..
كما أكدت الدكتورة شيماء سرور، خبيرة الهندسة الميكانيكية بجامعة بنها، أن مستقبل الطاقة فى مصر يحمل فرصًا واعدة إذا تم استغلال زيوت الطهى المستعملة وتحويلها إلى «ديزل حيوي» صديق للبيئة خاصة وان العالم كله يتجه للبحث عن بدائل أنظف وأوفر من الوقود الأحفوري، والدراسة اللى أجريناها فى كلية الهندسة – جامعة بنها – أثبتت إننا عندنا بديل عملى ومستدام فى متناول إيدينا ممثل فى زيوت الطهى التى نعتبرها نفايات ممكن تتحول إلى مصدر طاقة نظيف وآمن.
واضافت أن الاختبارات أوضحت إن المزائج منخفضة المحتوى من الديزل الحيوى زى B5 وB20 قدمت نتائج قوية جدًا، مزيج B5 كان الأكثر توازنًا بين قوة الأداء وانخفاض الانبعاثات، وده بيخليه الخيار الأمثل للسوق المصرية حاليًا، كمان مزيج B20 أثبت أنه يجمع بين الجدوى البيئية والكفاءة التقنية.
وأشارت د. شيماء إلى أن استخدام الديزل الحيوى ساعد على تحسين كفاءة الاحتراق وأداء المحرك، مع تقليل انبعاثات أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات والجسيمات الدقيقة بشكل ملحوظ مقارنة بوقود الديزل التقليدي. لكنها لفتت الانتباه قائلة: «لاحظنا ارتفاع نسبياً فى انبعاثات أكاسيد النيتروجين، وهذا يحتاج جهوداً بحثية إضافية لمعالجته.
وعن الجانب الاقتصادى والبيئي، أوضحت أنه رغم إن استهلاك الوقود فى المزائج الحيوية بيكون أعلى شوية بسبب انخفاض القيمة الحرارية، إلا إن طبيعتها المتجددة وارتفاع نقطة وميضها – اللى بتزود الأمان أثناء التخزين والتداول – بيخليها خيار أكثر استدامة. والأهم أن الاعتماد على زيت الطهى المستعمل بيساعدنا نحل مشكلتين كبارهما التخلص من نفايات بتلوث البيئة، وفى نفس الوقت تعزيز أمننا الطاقي.
واضافت دكتورة شيماء ان مجرد دعم الدولة لجمع وتحويل زيوت الطهى المستعملة لوقود حيوي، سيحقق نقلة إستراتيجية تقلل اعتمادنا على البترول، وتدعم الاقتصاد الدائري، وتحافظ على البيئة مشيرة إلى أن الديزل الحيوى المستخلص من نفايات الزيوت ليس مجرد بديل، بل فرصة حقيقية لتحقيق معادلة الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة فى مصر.