الإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو منصة للترفيه، بل هو صناعة متكاملة تؤثر في تشكيل وعي المجتمعات وصناعة الرأي العام وتوجيه السياسات. إنه المرآة التي تعكس قضايا الوطن، والأداة التي تبني الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، والساحة التي تتنافس فيها الأفكار. لذلك ظل الإعلام عبر تاريخه ركيزة أساسية في مسارات التنمية، وجزءًا لا يتجزأ من قوة الدولة الناعمة.
وفي هذا الإطار، جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى تطوير الإعلام المصري ليواكب التحولات العالمية، وليضطلع بدوره في مواجهة التحديات الكبرى التي تمر بها المجتمعات. فقد أكد الرئيس أكثر من مرة أن الإعلام هو خط الدفاع الأول في حماية وعي المواطن من الشائعات، وهو الوسيلة التي تضمن وصول الحقائق للرأي العام بموضوعية وشفافية. هذه الرؤية السياسية تؤكد أن الاستثمار في الإعلام ليس ترفًا، بل هو ضرورة استراتيجية لحماية الاستقرار الوطني وتعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا.
إن قوة الصحافة اليوم لا تُقاس بعدد النسخ المطبوعة، بل بقدرتها على الدمج الذكي بين المطبوع والمنصات الرقمية. فالمؤسسات القومية، بما تملكه من خبرة عميقة وبنية تحتية، هي المؤهلة لتقود هذا التحول من خلال إطلاق منصات رقمية رائدة تُحقق السبق الصحفي السريع، بينما يظل المطبوع مكمِّلًا عبر التحقيقات المعمقة والتقارير الكبرى التي تحتاج إلى قراءة متأنية. بهذا التوازن، لا يفقد الإعلام المطبوع قيمته النوعية، بل يكتسب روحًا جديدة تتماشى مع متطلبات الجمهور العصري.
التكنولوجيا اليوم لم تعد خيارًا، بل ضرورة وجودية. فالذكاء الاصطناعي يقدم فرصًا غير مسبوقة للإعلاميين: من توليد الصور والفيديوهات بدقة وسرعة، إلى تحليل البيانات الضخمة واستنباط اتجاهات الجمهور. هذه الأدوات تمنح المؤسسات الإعلامية قدرة استثنائية على الإنجاز السريع وتقديم محتوى أكثر ثراءً وموثوقية. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا وحدها لا تكفي؛ فالقيمة الحقيقية تكمن في العنصر البشري القادر على توظيف هذه الأدوات بوعي وإبداع.
من هنا تأتي أهمية الاستثمار في تدريب الكوادر الإعلامية على أحدث التقنيات. الصحفي أو المخرج أو المصمم الذي يجيد التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وأدوات تحليل البيانات، وإنتاج المحتوى المتعدد الوسائط، سيكون قادراً على رفع مستوى المهنة بأكملها. التدريب لا يجب أن يُنظر إليه كمرحلة مؤقتة، بل كعملية مستمرة ترافق التطورات التقنية المتلاحقة. فالإنسان يظل هو المحرك الأساسي لأي تطور، والآلة مهما بلغت دقتها تبقى أداة تحتاج إلى عقل مُبدع يقودها.