«حدائق الشلالات» مكان يعبر الزمن إلى ماضٍ بعيد. بين أحجار السور العتيق، وأعمدة الصهاريج الصامتة، وبقايا الأحجار القديمة، تقف الحديقة شاهدة على أكثر من قرن من التاريخ، لكنها اليوم تبدو بعيدة عن التطوير تحتاج من يعيد إليها شبابها.. أنشئت الحدائق عام 1899 فى عهد الخديو عباس حلمى الثاني، على يد المهندس الأمريكى فريدريك لو أولمستيد، بعد تحويل مسار ترعة المحمودية التى كانت تمر من المكان قديمًا ومنذ ذلك الحين أصبحت بمثابة رئة خضراء لمدينة الإسكندرية، ومتنفسًا طبيعيًا لأهلها.
لكن المشهد اليوم مختلف.. المساحات الخضراء ذبلت، الأشجار النادرة اختفت، والبحيرات جفت. أما الشلالات الصناعية التى منحت الحديقة اسمها، فقد تحولت إلى صخور صامتة بلا ماء، وكأن المكان يصرخ «أنقذوني».
أسوار وأبراج
داخل الحديقة، ما زالت بقايا سور الإسكندرية القديم يقف بشموخ رغم مرور القرون، يمتد بارتفاع يصل إلى عشرة أمتار، وكان يضم أبراجًا دفاعية لمراقبة المدينة وحمايتها، ويعد البرج الشرقى القابع بجوار استاد الإسكندرية، واحدًا من أهم معالمه الباقية، بينما يحتضن الجزء الغربى من الحديقة برجًا آخر يمثل شاهدًا على تحولات الزمن.
طابية النحاسين
وفى زاوية أخري، تطل طابية النحاسين إحدى أعرق الطوابى الدفاعية، التى ارتبط اسمها بصناعة الأسلحة والأوانى النحاسية. بنيت الطابية بتصميم هندسى بارع، جعلها مركزًا مهمًا للإنتاج والحماية فى ذلك العصر، لتتحول مع مرور الزمن إلى أثر تاريخى يروى قصص الصناع والمحاربين معًا.
معمار نادر
أكثر ما يبهر الزائر هو الصهاريج التاريخية التى صممت لتخزين المياه قبل مئات السنين، يمتد أحدها إلى عمق تسعة أمتار تحت سطح الأرض، بسعة تصل إلى ألف متر مكعب، ويقوم على ثلاثة مستويات متصلة، مدعومة بـ 48 عمودًا أعيد استخدامها من مبانٍ قديمة، تحمل عقودًا بديعة. من الإبداع المعمارى النادر يجسد براعة المصريين القدماء والرومان فى التعامل مع المياه.
بحيرة البجعة
وسط المسطحات الخضراء، توجد ثلاث بحيرات صناعية، كانت أشهرها بحيرة «البجعة»، التى عاشت فيها طيور البجع الأبيض لسنوات طويلة، لتصبح رمزًا جماليًا ارتبط بذاكرة أجيال من الإسكندريين من الجمال إلى الجفاف.
ذاكرة مدينة
ليست حدائق الشلالات مجرد مكان للترفيه، بل هى ذاكرة مفتوحة لتاريخ الإسكندرية من الأسوار والأبراج إلى الصهاريج والطوابي، تختزن كل زاوية قصة وإعادة إحيائها ليست فقط إنقاذًا لمساحة خضراء، بل استثمار فى هوية عروس البحر الأبيض المتوسط.
المشروع بحاجة إلى دراسة شاملة من جانب المتخصصين فى السياحة والتخطيط العمرانى والبيئة، حتى يتم استغلال الحديقة على النحو الأمثل. واهمالها يعنى خسارة كنز تاريخى وطبيعى يمكن أن يكون مصدر جذب سياحى واستثمارى ضخم، ينعكس إيجابًا على اقتصاد المحافظة.