في العام 1984 فاز المصور (كيفين كارتر) بجائزة بولتيزر –جائزة تقدمها جامعة كولومبيا في الخدمة العامة والصحافة والآداب والموسيقى وتنسب الجائزة إلى رائد الصحافة الأمريكي (جوزيف بولتيزر) منذ عام 1917- وقد كانت الصورة للأسف تمثل عنفاً غير إنساني وهي عبارة عن صورة لنسر ينتظر بفارغ الصبر أن تستسلم طفلة صغيرة أفريقية أنهكها الجوع حتى برزت عظامها للموت.
وبعد الجائزة وعقب مداخلة من أحد المشاهدين حيث سأله المتصل وماذا عن الصغيرة؟ ماذا حدث لها؟ أجاب المصور كان لابد من اللحاق برحلتي على عجل فأجاب المشاهد، أقول لك كان هناك يومها نسرين وكان لدى أحدهما كاميرا، ومنذ المداخلة أصاب المصور اكتئاب حاد لم يعش بعده إلا قليلا ومات.
يوجد ما يسمى بالعنف التصويري، أي تصوير أعمال العنف في وسائل الإعلام، وفي الأفلام والأعمال الأدبية وألعاب الفيديو سواء كانت واقعية أو خيالية.
وقد يتصور القائم بهذه الأعمال إنها للإثارة أو الترفية، لكن الرعب الناجم عنها ينعكس بطريقة مروعة وصادمة على سلوك المشاهد.
وقد يحمل العنف صورته الرمزية عندما تتم ممارسته عبر أفكار أو سلوكيات أو صور تفرض سيطرتها الفكرية أو الإنسانية، إنه عنفي خفي يكتسى أقنعة تبدو بريئة ومسالمة لكنها في النهاية توصل رسالة لها هدف محدد للمستهدف تبلغه أنك واقع تحت سيطرة عنف لا تفهمه أو تتصوره أو غير مقنع لك لكن يفي بالغرض وعليك الاستسلام له وتنفيذ أجندته.
ولا يمكن أن نسقط من حسابنا العنف الرقمي أو استخدام التكنولوجيا الرقمية لارتكاب العنف خاصة العنف القائم على النوع الاجتماعي كما في حادثة الذكاء الاصطناعي الأخيرة والذى من خلاله تم تشجيع أحد الشباب على الانتحار بوسائل سلمية ومبررة وهو ما حدث بالفعل، ويضاف إليه تصوير أشخاص في أوضاع لا أخلاقية دون موافقتهم ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت مما يعد اقتحاما للخصوصية وابتزازاً يمثل أقصي درجات العنف، كما يمثل العنف النفسي أخطر أنواع العنف من خلال وسائله في التهديد والإذلال، والتلاعب، والهيمنة، أو حتى تعمد الإهمال وقد يتخذ صوراً لفظية أو سلوكية كالسباب، العزل الاجتماعي، الترهيب، الإجبار أو الإكراه على فعل شىء ما. وفي الماضي كان العنف متضمناً في خمس فئات رئيسية هي:
1- العنف البدني
2- النفسي أو العاطفي، واللفظي، والاقتصادي، والجنسي، لكن انفتحت آفاق جديدة للعنف منها عنف روحي أو وجودي وقضائي وسيبراني وأيضاً العنف بالوساطة (التهديد بإيذاء أحد المقربين أو أفراد العائلة).
وأخيراً هذا العنف الذي يتسلل بأشكال متعددة في حياتنا اليومية ولا نملك تجاهه سوى المقاومة أو حتى الصراخ كما يعبر المبدع صلاح جاهين عندما “يقول يوم ما قلت آه سمعوني قالوا فسد ده كان جدع قلبه حديد واتحسد”.