تحتفل مصر والامة العربية اليوم بذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر «55»عاما الذى غير خريطة المنطقة والعالم ذلك الزعيم الذى يمثل نقلة نوعية فى تاريخ مصر الحديث حيث غيرت مجتمعاً قائماً على الظــلم ويمتـــلك فيه 5 ٪ كل شيء والـ95 ٪ المتبقى لا يملك أى شئ حيث امتلك الشعب المصرى أرضه وحصل على حقوقه فى التعليم والصحة كما كانت هناك ثورة صناعية» لا يمكن إنكارها، فهو الغائب الحاضر رغم انف الجميع، ولم يكن رحيله مجرد وفاة رئيس، بل كان حدثًا فجّر حالة من الحزن الشعبى على المستويين المصرى والعربى لم يعرف من قبل حيث خرج الملايين فى جنازته، والدموع انهمرت من عيون البسطاء قبل النخب، حتى بدا المشهد كأن الأمة كلها فقدت أبًا ورمزًا. هذه كانت الحالة الإنسانية العارمة، فى ذلك اليوم بحضور العديد من قادة العالم للمشاركة فى وداعة وهنا أتذكر يوم جنازته وشاركت فيها رغم السن الصغير نسبيا ،ولكن كنت واعيا حيث وجدت نفسى فجأة وسط الملايين بعيدا كثيرا عن منزلى ضمن الموجات الشعبية التى خرجت فى وداعه، وكانت العودة الى المنزل اكثر صعوبة .
عموما يمكن القول ان إرث الراحل جمال عبد الناصر مازال ،وسيظل يثير جدلاً لا ينتهى فى مصر والعالم العربي، فبين من يعتبره رمزاً للكرامة والنهضة، ومن يراه مسئولاً عن الإخفاقات الكبرى وعلى رأسها هزيمة 1967، كما سيظل محبوه فى حالة جدل مع خصومه، وفى سجال تاريخى يتجدد كلما أثير اسمه لانه لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان نقطة انطلاق لفكر جديد ورؤية جعلت منه رمزاً خالداً.
ونعود لنقول مرة اخرى ان التاريخ يعيد نفسه، بل ان الرئيس السيسى قاريء جيد لتاريخ مصر للحركة الوطنية، ومدركا لقيمة ومكانه الدولة المصرية عند ادارته للملفات الخارجية سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وفى القلب منها بملف غزة او فيما يتعلق بالعمل الدءوب للحفاظ على امن واستقرار المنطقة بل يتخطى الأمر الى أعادة مصر الى مكانتها وقيمتها التاريخية، لتكون «ام الدنيا والقائدة، والركيزة الأساسية للمنطقة ،والأمثلة كثيرة فى هذا الشأن ، فالرئيس السيسى استطاع قلب الموازين الدولية، ويصنع معادلة جديدة عنوانها «ان القرار المصرى حر ومستقل «كما استطاع إعادة تشكيل موازين القوة فى الشرق الأوسط وإفريقيا،من خلال اقتصاد صامد فى وجه الأزمات العالمية، ومشروعات قومية غيرت وجه الوطن ،وحدود مؤمَّنة، وإرهاب تم دحره بعد أن كان يهدد بقاء الدولة ،وجيش مصنف ضمن الأقوى عالميًا وبحرية تسيطر على البحرين الأحمر والمتوسط، مما ساهم فى فرض على القوى الكبرى احترام إرادة القاهرة.
فيما يتعلق بملف غزة علينا ان نراجع ما أعلنته القاهرة منذ بدء الأزمة على لسان الرئيس السيسى ،وحتى الان ومقارنتها بما تم إعلانه من قبل اجتماع نيويورك الذى ترأسه ترامب وفى حضور مصر والأردن وقطر والسعودية وتركيا وإندونيسيا وباكستان حيث تمثلت المبادئ الأساسية للمقترحات الأميركية فى إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، ووقف إطلاق نار دائم، وانسحاب تدريجى لإسرائيل من كامل قطاع غزة، وخطة لمرحلة ما بعد الحرب تشمل آلية حكم فى غزة بدون مشاركة حماس، وإنشاء قوة أمنية تضم فلسطينيين ،لكنها تضم أيضا جنودا من دول عربية ومسلمة، وتوفير تمويل من دول عربية ومسلمة للإدارة الجديدة فى غزة ولإعادة إعمار القطاع، مع مشاركة ما للسلطة الفلسطينية.
وفى نفس الوقت كما تشير التقارير الواردة حول الاجتماع فان القادة العرب قدموا لترامب عدة شروط لدعم خطته بألا تقوم إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية أو قطاع غزة وكذلك عدم احتلالها أى أجزاء من قطاع غزة،وعدم بناء مستوطنات فى القطاع،وان تتوقف اسرائيل عن تقويض الوضع القائم فى المسجد الأقصي، مع زيادة المساعدات الإنسانية لغزة فورا،وبمقارنة سريعة لهذه الملامح مع ما أطلقته مصر منذ اليوم الاول للازمة، سوف نجد ان القيادة السياسية كانت على ادراك ،ووعى كامل بابعاد المخطط الصهيونى ،واستمرت على موقفها رغم التحديات والمؤامرات ومازالت تتعرض لها للخضوع والاستسلام ولكنها مصر القوية العربية والإسلامية فى ان واحد.
ملاحظة سريعة..خطاب الرئيس ترامب فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بدا أقرب إلى استعراض سياسى منه إلى خطة واقعية لصناعة السلام. التناقضات فيه كثيرة، والوعود أكبر من قدرة أى إدارة على تحقيقها ،فالسلام لا يُبنى بالشعارات ولا بتضخيم الإنجازات، بل بالقرارات الشجاعة العادلة التى تبدأ بإنهاء معاناة الأبرياء وإيقاف آلة الحرب.