تمضى «الجمهورية معاك» فى طريقها كل يوم وهى تحمل على عاتقها هموم الناس، لكن القارئ حين يفتح صفحاتها لا يعرف أن وراء كل سطر رحلة طويلة من الكواليس الخفية، لا يرى الاتصالات التى تبدأ مع ساعات الصباح الأولى ولا تنتهى إلا مع آخر الليل، ولا يعرف كم من باب يُطرق، وكم من هاتف يُرفع، وكم من لحظة صعبة تمر علينا قبل أن نصل إلى حل يغيّر حياة إنسان.
نتواصل مع المسئولين عشرات المرات فى اليوم الواحد، نحمل إليهم شكاوى الناس، وسرعان ما نجد قلوبًا تحتضن المشكلة، أحيانًا يكون ردهم كلمة قصيرة مليئة بالترحاب، وأحيانًا أخرى نلمس فى صوتهم حرصًا يسبقنا إلى إنقاذ الموقف، كثيرًا ما نشعر بالخجل من رُقى أسلوبهم وذوقهم العالى فى التعامل، خاصة حين نسمع جملة «أنتم تؤدون رسالة، ونحن معكم»، وقتها ندرك أننا لسنا وحدنا فى هذه المعركة اليومية.
يتكرر المشهد مع منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، حيث نجد فريقًا يعمل كخلية نحل لا يعرف التوقف، فى لحظة تصلهم الاستغاثة، وفى لحظة أخرى يبدأ التواصل مع الجهة المختصة، ليعود إلينا الرد بأن المشكلة فى طريقها إلى الحل، الأمر ذاته نراه فى الهيئة العامة للتأمين الصحى التى تفتح أبوابها أمام مرضى لا يملكون شيئًا سوى الدعاء، وفى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى التى تسمع أنين المواطنين وتسعى لتوفير حقهم فى الحياة الكريمة.
ولعل من أكثر اللحظات التى لا تغيب عن ذاكرتنا تلك الليلة التى دق فيها الهاتف بعد منتصف الليل، كان صوتًا مبحوحًا يحمل رجاءً أكبر من طاقة صاحبه «أمى فى غيبوبة.. محتاجة عناية مركزة.. ومفيش مكان ولا قدرة على التكاليف» لم نتردد طويلًا، تواصلنا مع المنظومة الحكومية، ونحن نعتذر بخجل عن الإزعاج فى هذا الوقت المتأخر، فجاءنا الرد الذى لن ننساه «لا اعتذار فى إنقاذ حياة، نحن هنا لأى حالة طارئة» وقتها شعرنا أنها الإنسانية فى أبهى صورها، وأن الليل ليس عذرًا أمام واجب إنقاذ إنسان.
لم يكن هذا الموقف وحده، بل هناك مواقف تتعدد كل يوم، فنطرق كل باب، ونتواصل مع كل جهة، ونجد الاستجابة أحيانًا أسرع مما نتوقع، وأحيانًا أخرى تحتاج صبرًا طويلًا، لكننا لا نكف عن المحاولة حتى نرى البسمة مرسومة على وجوه أصحاب الشكوي.
لا يعرف القارئ أن كل كلمة تُكتب فى الجمهورية معاك تقف وراءها قصة من التعب والسعي، لا يعرف أن هناك ليالى لا يغمض لنا فيها جفن، وأن هناك مواقف نغادرها بدموع الفرح مع الناس، وأخرى نعود منها بحزن لأننا لم نستطع أن نحقق المعجزة، ومع ذلك، نستمر لنستمد قوتنا من إصرار المواطنين على التمسك بحقوقهم، ومن ثقتهم أن صوتهم لن يضيع ما دام هناك باب اسمه الجمهورية معاك مفتوحًا لهم.
وهكذا تكون «الجمهورية معاك» حلقة وصل بين المواطن والمسئول، لا تُبنى بالكلمات ولكن بالعرق، والصبر، وبالإنسانية التى تسكن كل قلب مخلص. وبين كل مكالمة وأخري، وكل موقف وآخر، نكتشف أن رسالتنا لم تكن مجرد عمل صحفي، بل قدر من الله، ورسالة حياة، لا نتوقف عن حملها.