تعاملوا مع الانتخابات كـ «غزوة» واعتبروا الوطنية «عدو» الدين بفتوى «خيل الله»
مأمون الهضيبى فى 1999 قال «إذا وصلنا للحكم لن نتركه أبدًا»
.. و«عاكف» صرح «نقبل وجود إسرائيل بالمنطقة».. فوصفته واشنطن بالمحترم


فتح مصر: وثائق التمكين الإخوانية.. يكفى عنوان الكتاب للتعبير عن أنه ليس مجرد بحث أو رصد، بل شهادة دامغة على كيف أرادت الجماعة أن تُحوِّل الوطن إلى غنيمة، والدين إلى أداة، والسياسة إلى غزوة.
من بين الفصول تتدفق حقائق «الخلافة الإخوانية» وأسرار «الخطة الاثنا عشرية»، ودهاليز «مشروع التنظيم»، ومخططات «التمكين»، فيكشف بعين المحقق المدقق، كيف ارتدت الجماعة عباءة الدين لتسير نحو مشروع خلافة موهوم، لا يرى فى الوطنية إلا عدواً، ولا فى الانتخابات إلا غزواً، ولا فى الشعب إلا ساحة لتجاربها الإرهابية.
الكتاب ليس روايةً عن الماضي، بل إنذارٌ للحاضر، ودليلٌ للمستقبل؛ مرجعٌ لا غنى عنه لكل من يريد أن يفهم كيف تفكر الجماعة، وكيف تُخفى بين دفاتر أسرارها ما تعجز عن التصريح به فوق المنابر.. وبين كل وثيقة وأخري، يضع الكاتب الصحفى الكبير حمدى رزق القارئ أمام المرآة ليرى كيف أن حلم «الإسلام هو الحل» لم يكن إلا خدعة كبرى عنوانها الحقيقى «الإخوان هم الحل».
بهذا العمل.. يثبت الكاتب أنه لم يدوّن فقط وقائع مرحلة، بل قدّم وثيقة وطنية ومعرفية، عبر علاقات مباشرة مع قيادات التنظيم وحوارات مع خمسة من مرشدى الجماعة.. ليقدم سجلاً تاريخياً يفضح الفكر قبل أن يكشف السلوك.. ولعل قوة الكتاب تكمن فى أنه يذكّرنا بأن ما جرى بالأمس قد يعاود الظهور غداً، ما لم تبقَ الذاكرة يقظة، والوعى حاضرًا، والأمة محصّنة من خديعة الدعاية.
يحلل الكتاب منهجية الجماعة الإرهابية عبر عقود أمضوها فى إرهاب يوظف الدين لخدمة هدف حسن البنا بـ «دولة الخلافة الإخوانية» فاختلطت عليهم المفاهيم أو قاموا هم بخلط الحقائق.. يرفعون شعار الدين.. يدعون طلب الحكم من أجل الإسلام.. وهم يوظفون الإسلام من أجل الحكم.
تكشف صفحات الكتاب أن الخلط بين الجماعة والإسلام جعل المعادلة لدى الإخوان مقلوبة، فالأساس الذى تم تقديم الجماعة للناس به أن الحلم هو أن تكون دولة الخلافة الإسلامية المنشودة هى ذات السيادة العالمية، ومن أجل ذلك أدعى حسن البنا «صاحب الشهادة المتوسطة» إنشاء جماعته لكن الواقع اختلف تماما عن الحلم المدعي، فأصبحت الخطوات والإجراءات المتخذة بداية من إنشاء التنظيم السري، هى أن تكون جماعة الإخوان هى الخليفة، ثم تكون هى حاكمة العالم وسيدته، وبدلا من «الإسلام هو الحل» أصبح عندهم «الإخوان هم الحل».. لذلك قال مرشدهم السادس مأمون الهضيبى عام 1999: «إذا وصلنا للحكم لن نتركه أبدا».. فكيف بوسيلة أرضية أن تخرج جماعة سماوية من الحكم.
«فتح مصر»
تكمن عبقرية الكتاب من اختياره للعنوان.. فكلمة «فتح»، التى تحمل فى الذاكرة الإسلامية دلالات مقدسة مرتبطة بنشر الرسالة الإسلامية، هى نفسها التى استخدمها الإخوانى محمد مرسى أكثر من مرة، فكما يذكر الكتاب قال فى استاد المحلة «نحن على وشك فتح مصر» وفى مؤتمره أمام مسجد عمرو بن العاص أثناء حملته الدعائية قال مرسى فى إشارة واضحة لفكر الجماعة: «إن عمرو بن العاص دخل مصر فى وقفة العيد، وها نحن سنعيد الفتح الإسلامى من جديد لنعيد لمصر هيبتها وتقدمها وعزتها بشقى الأمة المصرية، مسلميها وأقباطها»
وكلمة «فتح مصر» تصف عملية إرهابية بحتة قوامها السيطرة باسم الدين والهيمنة تحت شعاره.. لم تأتِ الجماعة لـ«تحكم» مصر، بل لـ«تفتحها» وتضمها كغنيمة إلى إمبراطورية التنظيم العالمي..وهى مع ذلك عنوان الوثيقة السرية التى يكشف عنها الكتاب.
الوثيقة التى تحمل اسم «فتح مصر» إلى جوار شعار الإخوان تشكل خطة للسيطرة على الدولة موقعة بقلم خيرت الشاطر- نائب المرشد والتى يكشفها الكتاب تستهدف تأسيس كيان للحصول على اعتراف بالشرعية ونشر الدعوة فى ربوع مصر، عن طريق التوسع الأفقى والوصول بعدد الإخوان إلى ما لا يقل عن 3 ملايين.
تضمنت الوثيقة الكارثية ــ كما يوضح الكتاب ــ فتح قنوات اتصال مع الحزب الحاكم وشخصيات نافذة فى الدولة، مستخدمة أسلوب «المسكنات» لتهدئة المؤسسات الرسمية والأحزاب المدنية..بالتوازي، شنت حملة تشويه ضد المخالفين باتهامات بالرشوة والعمالة، بهدف تحييدهم أو إسكاتهم، مع عملية اختراق الصحف القومية والتفاهم مع بعض المؤسسات الإعلامية المستقلة. هذه التحركات كانت تهدف إلى تمهيد الأرض سياسيًا وإعلاميًا لمرحلة التمكين.
«الوثيقة الاثنا عشرية»
وثيقة «فتح مصر» التى جاء منها عنوان الكتاب كانت ــ كما يذكر ــ الكاتب ملخصًا لوثيقة أهم، بل هى الأخطر بين وثائق الجماعة الإرهابية كلها.. وثيقة «الرؤية المستقبلية والخطة الاستراتيجية» أو المعروفة إخوانيًّا بالخطة «الاثنا عشرية» التى كانت تحدد رؤيتها على مدار 12 عاما فى إطار الإرهاب، وهى من وثائق الجماعة فى فترة حظرها ومعنونة بـ»سرى جدًّا»، وهذه النوعية من الوثائق لا يطلع عليها إلا عناصر القيادة فى التنظيم الخاص، وربما يصعب على قيادات بارزة فى الجماعة الاطلاع عليها ويفاجئون بها فعلاً.
تعترف الوثيقة بأن هدف الجماعة هو السيطرة على الحكم فى مصر تمهيدًا لدور عالمي، بزعم إصلاح مجتمع منحرف قيميًا وخاضع للغرب. وتعتبر نخبة من المسئولين والإعلاميين والاقتصاديين «أعداء الإسلام»، متهمة إياهم بالعمالة للصهيونية، وتشمل القائمة النظام الحاكم ومؤسساته منذ ثورة يوليو وحتى مبارك، بل وتضم أيضًا الجماعات الإسلامية الأخرى والإسلاميين المستقلين، فى موقف إقصائى صارخ.
«الآلية التنفيذية»
تركز الوثيقة على الشكل الإدارى بتقليل معدلات البطالة داخل الجماعة «البطالة نسبة الأعضاء الذين لا يريدون الجماعة».. وتركز الوثيقة على آلية «الارتقاء بالصف»، أى رفع كفاءة الأفراد داخل التنظيم، بحيث يلتزم كل مستوى بواجباته ويحقق الصفات المطلوبة بأعلى درجاتها، مع التفاف الجميع حول القيادة.
الوثيقة كانت تحدد مسارات متعددة للعمل الإخواني، تتسم جميعها بنهج إخفاء النوايا الحقيقية خلف خطاب مهادن خبيث وممارسات محسوبة.. تبدأ الخطة بتخفيف التوتر مع النظام، بهدف توسيع مساحة الحركة داخل المجتمع، وزيادة التفاعل الإيجابى مع الرسالة الإخوانية، مع الاكتفاء بالعمل السياسى عبر المنابر المتاحة كالإعلام والجامعات.. كما تدعو إلى إنشاء مسارات إعلامية موازية، قادرة على نشر الرسالة ومناقشة الخطاب الإعلامى السائد، وتوظيف الوسائل المتاحة لإنتاج محتوى يخدم أهداف الجماعة.
وتولى كذلك اهتمامًا خاصًا بالمسارات التعليمية والدينية، باعتبارها أدوات مركزية لتحقيق الرسالة، عبر تأهيل أعداد كبيرة من الإسلاميين للانخراط فى المؤسستين التربوية والدينية. كما تشدد على ضرورة إنشاء مؤسسات تخدم أهداف الجماعة، وتوفير الموارد اللازمة لها، مع اتخاذ تدابير لحمايتها. وتضع شريحة الطلاب فى مقدمة الفئات المستهدفة، بدءًا من الأشبال مرورًا بالثانوى وصولاً إلى الجامعة، مع توفير كل الاحتياجات البشرية والإدارية للعمل معهم، يليهم النساء، ثم النخب، وأخيرًا العمال، فى ترتيب يعكس أولويات التجنيد والتأثير داخل المجتمع.
«التمكين»
مصطلح التمكين صاغه الكاتب الكبير حمدى رزق من متن وثائق سلسبيل التى كشفها الكاتب الصحفى الكبير الراحل مكرم محمد أحمد قبل نحو 40 عامًا ويمكن القول أنها تحققت بشكل كامل ومازالت دستور الجماعة إلى اليوم، وبحسب الكتاب فكانت الخطة ستؤدى بالإخوان للوصول للحكم بالضرورة وكانت تسير كما رسم لها، لكن أحداث يناير تسببت فى الإسراع لتحقيق الخطة وفقا لرغبة واشنطن ومخططها حول وصول الجماعة للحكم فى مصر.
معنى «التمكين» كما تقول الوثيقة.. «هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة» وذلك لن يتأتى – كما تقول الوثيقة بغير خطة شاملة تضع فى حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة فى طبقات المجتمع الحيوية.
وتضع الوثيقة المكونة من 13 صفحة أسس ومحاور وتفاصيل مهمة التغلغل فى قطاعات الدولة، وكل أجهزتها الحساسة والحيوية ومع إيضاح الآلية التنفيذية لكل مطلب وهدف فيها.
تتضمن خطة الجماعة ثلاث مراحل متتابعة تهدف إلى التمكين الكامل:
المرحلة الأولى تبدأ بزرع عناصر موالية داخل مفاصل الدولة الحيوية، خصوصًا الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، بهدف ضمان التحييد وقت الصدام. وقد تسلل عدد من الأفراد إلى بعض هذه المؤسسات قبل الثورة، وتزايد دخولهم بعد الثورة، كما تكشف كشوف المقبولين فى الشرطة خلال حكم الإخوان.
المرحلة الثانية تركز على نشر الأفكار بعد تثبيت الرجال، عبر إعادة إنتاج مفاهيم قديمة مثل فرض الحجاب وتحجيب السينما، وإخضاع الفنون لما يُسمى «باب الأخلاق»، فى محاولة لتغيير المزاج الثقافى العام وتهيئة المجتمع لتقبل مشروع الجماعة.
المرحلة الثالثة هى ذروة التمكين، حيث يُطرح تطبيق الحدود كأداة لإعلان الولاية الإسلامية، وتُستخدم الحوارات الفضائية الموجهة لترويج هذا التصور، تمهيدًا لإقامة ما يُسمى بشرع الله، حسب الرؤية الإخوانية وتحويل مصر إلى عاصمة الخلافة الإسلامية المزعومة، وهو الحلم الذى راود مؤسس الجماعة حسن البنا دون أن يحققه.
«البناء الهيكلى»
التدرج «الوظيفي» فى الجماعة يشمل ثلاث مراحل من درجة «أخ» إلى «أخ عامل» انتهاء برتبة «أخ مجاهد»، وهى درجات تبدأ بعد البيعة ودفع الاشتراك، أما المؤيد فيقصد به عضو عادى لا يدفع اشتراكًا ويحتاج وقتًا للترقى وليس عليه بيعة، أما شكل التنظيم الإخوانى داخليًّا.
يفند الكتاب الوثيقة الرابعة التى تمثل خريطة بيانية كروكية بعنوان «مشروع التنظيم» تشرح فى أوراقها كيف أن التنظيم أصبح جاهزًا بالفعل، وأن برنامج حركته وهيكله الداخلى تم تحديده بدقة، وأنه فى انتظار إشارة البدء.
تتضمن الوثيقة إسناد رئاسة التنظيم للمرشد العام بـاعتباره رئيسا لما يعرف بـ «مجلس الشورى العام» والذى يتألف من المرشد العام و»هيئة المكتب الدائمة» تتلخص مهمتها فى إعداد الاستراتيجية العامة والميزانية والمسألة التنظيمية والدينية، ويلحق بالمكتب لجنة للمقترحات والشكاوى وأخرى للسكرتارية الخاصة..إلى جانب مكتب الإرشاد الذى التى تتألف من 16 عضوًا .
«التغلغل لمفاصل الدولة»
أخطر ما تضمنته الوثيقة التنظيمية كما يفضح الكتاب، هو المخطط الإخوانى المنظم للتغلغل إلى مفاصل الدولة، ليس من خلال التقسيم المؤسسى وإنما عبر التوزيع الجغرافي، بما يضمن انتشار الإخوان فى ربوع البلاد عن طريق ثلاثة قواعد تنظيمية تخضع جميعها لمكتب الشورى العام:
-القاعدة الأولى تضم 11 قسمًا وظيفيًا تبدأ بنشر الدعوة، وتشمل العمال، المهنيين، التربية، الأسر، الأشبال، الأخوات، التربية البدنية، الاتصال الخارجي، الطلبة، والخدمات الاجتماعية. وتُدار هذه الأقسام عبر أربع لجان مركزية: التخطيط، المتابعة، التوجيهات، والتنسيق.
– القاعدة الثانية تُعرف بالأمانة العامة الفنية، وتضم لجانًا دائمة ومؤقتة تشمل العضوية، الشرعية، السياسية، الإفتاء الفقهي، الاقتصاد، التخطيط، الإحصاء، إضافة إلى لجان فرعية للدراسات، البحوث، التوجيهات، ومتابعة الأحداث، مع قابلية التوسع حسب الظروف.
– القاعدة الثالثة والأخطر هى مجالس شورى المحافظات، وتخضع لرقابة مباشرة من المكتب الإدارى عبر لجان تنفيذية تشمل التخطيط المحلي، المتابعة، الإشراف، والمساءلة، إضافة إلى لجنة ميزانية قيد التشكيل. ويتفرع عنها مجالس محلية على مستوى المناطق والأقسام «الشُعب»، تضم 8 لجان مشابهة للهيكل المركزي، تركز على الدعوة والقطاعات الاجتماعية.
«التنظيم الدولى»
هذا ما يتعلق بالجماعة الإرهابية داخليا ، أما التنظيم الدولى فكما يذكر المؤلف حمدى رزق، على لسان مرشد الجماعة السابق محمد مهدى عاكف «صاحب عبارة طز فى مصر» أن التنظيم الدولى كانت تجرى اجتماعاته بشكل أساسى على هامش الحج فى مكة المكرمة، وكذلك لفت لاجتماعات فى الدانمارك وفى اسطنبول».
يستند الكاتب فى فضح أسرار التنظيم الدولى التى حاولت الجماعة لسنين طويلة اخفاء حقيقته واشتملت يوسف ندا فى انكاره، إلى وثيقة المؤتمر السادس للتنظيم، والذى عقد فى اسطنبول عقب حرب الخليج الثانية.. الوثيقة المسربة لا تكشف فقط وجود التنظيم بل تسرد نظام العمل الداخلى به وأهدافه ووسائله لإخضاع عدد من العواصم.
القاهرة كانت على رأس قائمة العواصم المستهدفة كما ذكرت الوثيقة المسربة.. واعتبرت هى المدخل الأساسى للوصول والسيطرة إلى عواصم العالم ضمن ما اصطلح على تسميته إخوانيًّا «خطة التمكين والسيطرة»، ويلفت الكاتب الكبير حمدى رزق إلى أنه بعد مرور 20 عامًا من اصدار هذه الوثيقة 1992 وصلت الجماعة الإرهابية إلى الحكم فى القاهرة «كما جاء فى الوثيقة بالضبط وكأنهم يقرءون الغيب، أو تيقنوا من قرب سقوط النظام، أو عمدوا إلى إسقاطه.»
«الأهداف والوسائل»
كان مصطفى مشهور صاحب الباع الطويل فى العمل العسكرى والمسلح بالجماعة وجهازها السرى هو أمير التنظيم الدولي، وكاتب الوثيقة المقدمة عنه فى المؤتمر الدولي، بكنية «أبوهاني».. وأهم ما جاء بخط يده فيها هو الأهداف المرتدة وكيفية تحقيقها.
التنظيم الدولى بحسب تصوره، يمنح الفروع القُطرية مظلة دعم وتكافل وتنسيق، تُعزز فرص «التمكين»، وهو الهدف المركزى للحركة، الذى لا يتحقق إلا عبر حشد الطاقات وتوحيد المؤسسات والقيادات، مساعدة الحركات الإخوانية النامية فى الأقطار المختلفة، ومدها بالخبرات والتجارب لتصبح قوية.
الآلة الإعلامية لها الدور الأساسى فى وجود التنظيم الدولي، فمن نص اهداف وجود التنظيم هو الوقوف مع أى جماعة تتعرض للمحن فى أى دولة إعلاميًّا وماديًّا ومعنويًّا.. مع التأثير فى التيارات الفكرية العالمية، وطرح الحل الإخوانى كحل وحيد لكل مشكلات.
هذه الآليات تفضى لهدف مساعدة «حركات الجهاد» فى أى بلد، والوقوف معهم من خلال التنظيم الدولي، ومدهم بما يحتاجونه من المال والخبرة والرجال.. ويعول على التنظيم كمظلة كصمام أمان للجماعة فى حل الخلافات والمنازعات وتحديد الجهة الشرعية عند الاختلاف داخل الصف فى الأقطار المختلفة.
ونصت المادة الثالثة من لائحة التنظيم على خمس وسائل لتحقيق هذا الأهداف هي:-
– الدعوة: من خلال النشر والإذاعة فى الصحف والمجلات والكتب والمطبوعات، وتجهيز الوفود والبعثات فى الداخل والخارج لنشر أفكارهم المتطرفة وتجنيد الشباب المخدوم ونشر الاكاذيب والشائعات التى يريدون ترويجها ضد الدولة.
– التربية: عقائديًّا وعقليًّا وخلقيًّا، وبحسب الكتاب فلم تهمل مذكرة مشهور جانب الإعداد البدنى بالرياضة بهدف تثبيت معنى الإخوة والتكافل للسيطرة على العقول وفق ما يرونه.
– التوجيه: بوضع المناهج فى كل شئون المجتمع من التربية والتعليم إلى التشريع والقضاء والإدارة والاقتصاد والصحة والحكومة لتكون هى ما يصل إلى المواطن.
– العمل: بإنشاء مؤسسات تربوية واجتماعية واقتصادية وعلمية وتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ والنوادي، وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات «نفس دور مساجد الجمعية الشرعية فى مصر» لاختراق المجتمع من خلالها.
– الجهاد: الذى يبدأ بإعداد الأمة جهاديًّا لتقف فى جبهة واحدة؛ تمهيدًا لإقامة الدولة المنشودة كشعار يستخدمونه فى التجنيد وخداع الناس..
ما ذكره الأستاذ حمدى رزق من نص وثيقة ٩٢ هو بالضبط ما يحدث الآن، فبعد قدرة الشعب المصرى على التخلص من السرطان الإرهابى وآثاره، لا يزال التنظيم الدولى للجماعة «رغم انقسامته الداخلية» يوظف الخلايا الخبيثة فى الداخل والخارج من أجل محاولة تمرير مخطط إسقاط الدولة متخذين من أجل ذلك كل السبل الممكنة بين شائعات وتشكيك وحتى تحالف مع الكيان الإسرائيلى وأهدافه.
«أمريكا»
يظل الإخوان ينكرون تماما وجود أى صلات بينهم وبين الإدارة الأمريكية ويسرد حمدى رزق حوار له مع مهدى عاكف فى مارس 2005 سأله فيه عن العلاقة بأمريكا فلم يكتف بالإنكار بل بالغ فى الرفض إلى حد تعديد أسباب عدم قبوله للحوار مع السفير الأمريكى بالقاهرة.
لكن الكاتب الكبير لم يكتف فى كتابه بالرد المباشر منه بل قدم رد وزيرة الخارجية الأمريكية نفسها «هيلارى كلينتون» والتى قالت فى تصريح لها وهى بالعاصمة المجرية بودابست بعد أحداث 2011 بأن الإدارة الأمريكية «تواصل سياسة إجراء اتصالات محدودة مع جماعة الإخوان، وهى اتصالات مستمرة على حد قولها منذ ما يقرب من 5 أو 6 سنوات».. يقف الكاتب عند نص تصريح كلينتون «تحاورنا مع الإخوان من قبل وسنعاود الاتصال بهم بشكل رسمي» ثم أضافت أنه «نظرًا لتغير الواقع السياسى فى مصر فإنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تتفاعل مع كل الأطراف «إذن فهى تعطى إشارة الدعم الأمريكى للجماعة عالميًا».
الجماعة ظلت تتعامل مع ملف الحوار مع أمريكا كوصمة عار كما يذكر الكتاب، فهو بذلك يقطع عليهم طريق الشعار الدائم أمريكا «الشيطان الأكبر».. الذى استخدمته الجماعة على الدوام لنعت الآخرين ممن يتعاملون ويتحاورون مع الأمريكان بأنهم عملاء البيت الأبيض، أو عملاء CIA.
حالة التخبط لدى الجماعة وقيادتها يتوقف عندها الكتاب فى أكثر من موضع ليصف هشاشة المكون الفكرى والتنظيمى رغم خطورته، ولعل أبرز مواضع هذا التخبط هو ما جرى بشأن الحوار مع أمريكا ففى الوقت الذى أنكر محمد البلتاجى كانت تصريحات محمود غزلان الناطق باسم الجماعة الإرهابية تحمل تبريرًا للقاءات جرت اعترف بها، وسعد الكتاتنى يدلى بدلوه هو الآخر فيقول فى تصريح له على لسان الجماعة، مع أنه يمثل الحزب لا الجماعة كما يؤكد الكتاب، جاء فيها «إن الجماعة ترحب بأى حوار رسمى مع أمريكا».
«اللوبى الإخوانى»
من المتعارف عليه كيف استخدمت الولايات المتحدة أساليب متعددة للنفاذ إلى داخل الجماعة الإرهابية وليس فقط السيطرة عليه، لكن كتاب «فتح مصر» يكشف عبر وثيقتين استطاع الإخوان أن يخترقوا الأمريكان بطريقة هادئة لصناعة «لوبى إخواني» مؤثر على صناعة القرار فى أمريكا عبر مجموعات من المتوطنين الإخوان، ليس مهمًّا كونهم مصريين أو فلسطينيين، أو حتى عراقيين أو كويتيين المهم متوطنين، أى إخوان أمريكان، وهؤلاء جميعهم كان ولا يزالون يلعبون أدوارًا للإخوان فى غاية الأهمية.
وقد وصل نجاح الجماعة إلى حد تمكن «هوما عابدين» ابنة الأسرة الإخوانية من أذنى «هيلارى كلينتون» لاسيما عقب أحداث يناير، لتصبح هوما هى المستشارة الشخصية لها من أجل تنفيذ مخطط تمكين الجماعة، ومن هنا يبرز دور المتوطنين الإخوان الأمريكان، والإخوان كما يذكر المؤلف يطمحون إلى أستاذية العالم، فلا بد من اختراق الدولة المركزية «أمريكا» عبر سلسلة من المراكز الإسلامية، والأسماء التى برزت إعلاميًّا فى سياق المجتمع الأمريكي.
وبحسب خطاب سرى مرسل مكتوب بخط اليد من إخوانى بأمريكا إلى التنظيم فى مصر، يفضح الكتاب من خلال نصه العلاقة المتبادلة بين الطرفين فيقول الكتاب «الأصدقاء فى واشنطن «لاحظ كلمة الأصدقاء فى نص الخطاب» أبدوا سعادتهم بتصريحات المرشد، محمد مهدى عاكف عن إسرائيل، وقالوا عنه he is respectable man «إنه رجل محترم» لأنه قال «نقبل وجود إسرائيل بالمنطقة».
«أيديولوجية الإرهاب»
تفضح فصول الكتاب الأيديولوجية الإرهابية للجماعة والتى تقوم على التنظيم الكامل من أجل مجابهة الوطن والذى يمثل لهم بذاته وفئاته ومؤسساته وتنوعه العدو الأكبر الحقيقى والدائم، الذى يستغل من أجل محاربته الدين بكل صورة، ويسوق الأستاذ حمدى رزق أهم دليل على ذلك، فتوى عبدالرحمن البر مفتى الجماعة، التى كتب فوقها «سرى جدًا» وكان عنوانها «يا خيل الله اركبي» والتى جاءت بشأن الانتخابات البرلمانية 2010.
يفترض لمفتى الجماعة – إن كانت جماعة تضم مسلمين أن يركزوا على قضايا الدين ومسائل الشرع ما يلتبس على الإنسان فى حياته، ولا سرية فى ذلك بل لم تكن الدعوة الدينية بعد هجرة الرسول سرية فى أى حين، لكن عبد الرحمن البر أصدر فتواه بشأن آلية الحشد حول التنظيم فى الانتخابات ونصا يقول: «استقر إخوانكم على أن تكون هذه المعركة – الانتخابات البرلمانية بمثابة غزوة، واتفقنا جميعًا على أن يكون جهادنا فى هذه الانتخابات تحت راية «يا خيل الله اركبي» والحق أنها معركة وغزوة».
لماذا نظر مفتى الإرهابية لانتخابات البرلمان على أنها غزوة؟ الإجابة فى نص الفتوى كما يوردها الكتاب «لأننا نواجه الباطل وأعوانه من القوميين والوطنيين والليبراليين وأصحاب التوجهات التى تحارب الإسلام لنجعل أصحاب الحق من الإخوان أهل الحل والعقد الذين من شأنهم إدارة نظام جماعة المسلمين فى شئونهم العامة السياسية والإدارية والتشريعية والقضائية ونحوها وهى لذلك معركة بين أهل الحق وأهل الباطل.»
«الصراع»
يوضح الكتاب أن الرفض الاجتماعى للجماعة الإرهابية ورفضها هى للمجتمع والوطن لم يكن للحظة واحدة اختلاف حزب سياسى ومعارضيه، بل كان صراعًا وجوديًا بين كيانين متناقضين:
الدولة الوطنية المصرية: بتاريخها الممتد لآلاف السنين، ومؤسساتها الراسخة «الجيش والقضاء والأزهر والكنيسة»، وهويتها الجامعة التى تستوعب كل أبنائها.
التنظيم العالمى للإخوان: كيان أيديولوجى مغلق، له ولاؤه الخاص الذى يتجاوز حدود الوطن والانتماء له، وأهدافه الأممية، ونظرته الإقصائية التى تقسم المجتمع إلى «أهل ثقة» و»أعداء»، ودينها الذى لا يقوم على ملة.
من هذا المنطلق، فإن كل قرار وكل خطوة اتخذتها الجماعة خلال عام حكمها، وما قبله وما تلاه لم تكن تهدف إلى خدمة «الدولة» ولا نفع «الدين، بل كان إرهابا ممنهجا فكريا قبل أن يكون جسديا لتفتيت الوطن ومحاربة الدين لوجه «الفتح»، أى تفكيك مؤسسات الدولة وإعادة بنائها بما يخدم أجندة «التنظيم» ومن يموله ويواليه.