أهم رسائل وزير الخارجية المصري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

أكد الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، أنه لا يوجد احترام يُذكر للشرعية الدولية، ويقع أشقاؤنا الفلسطينيون ضحية أبشع الممارسات الإسرائيلية المتمثلة في حرب ضروس غاشمة وغير عادلة على مدنيين عُزَّل لذنب لم يقترفوه. هذه الحرب مدفوعة بـأيديولوجية متطرفة لا ترى سوى القتل والدمار والتجويع الممنهج، وخطاب مسموم للتحريض على العنف والكراهية. وامتدت أيدي هذا العدوان، في غمرة من القوة وانعدام المساءلة، لتطال دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، وآخر حلقاته هو العدوان الغادر على قطر الشقيقة.

وأضاف الوزير أن مصر تنظر للواقع الأليم السائد بالمنطقة بعين القلق والمسؤولية في آن واحد، فبعد عامين من العدوان الغاشم على غزة والانتهاكات المتكررة اليومية في الضفة الغربية، أضحت أُسس السلام الذي استغرق نسجه أكثر من 45 عامًا في مهب الريح.

الرؤية المصرية للحل

إزاء هذه الظروف العسيرة، طرحت مصر رؤيتها للتعامل مع الوضع في الشرق الأوسط والمنظومة الدولية على النحو التالي:

دعم مساعي إنهاء الحرب: الإعراب عن الامتنان والتقدير لما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التزام كامل واستعداد للعمل مع قادة المنطقة لإنهاء هذه الحرب الظالمة على قطاع غزة وفقًا لرؤية متكاملة تحقن الدماء وتضمن الأمن للجميع وتستعيد أُسس بناء الثقة المفقودة. وتُبدي مصر استعدادها الكامل والالتزام بالبناء على رؤية الرئيس ترامب لاستعادة الاستقرار وإنهاء الحرب وفتح أفق سياسي يقود نحو تجسيد الدولة الفلسطينية.
أولوية الإغاثة الإنسانية: تكرس مصر كافة جهودها، بالاشتراك مع قطر الشقيقة والولايات المتحدة، للتوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في قطاع غزة واستئناف إدخال المساعدات دون عوائق لمواجهة المجاعة الحالية التي هي من صنع إسرائيل. ويجب أن يمثل ذلك مع الإنعاش المبكر لمقومات الحياة في غزة أولوية قصوى للمجتمع الدولي، وعلينا جميعًا التضامن والتكافل لضمان توفير ونفاذ المساعدات الإنسانية بأسرع وقت وبالكميات اللازمة وحماية المدنيين.
الرفض القاطع للتهجير: نعيد هنا التأكيد على رفضنا القاطع لأي سيناريوهات لتهجير الشعب الفلسطيني، باعتبار ذلك جريمة تطهير عرقي. ونقولها بوضوح شديد: مصر لم ولن تكون بوابة لتصفية القضية الفلسطينية، وسنستمر في دعم صمود الشعب الفلسطيني الأبي المتشبث بترابه الوطني، ولن نكون أبدًا شركاء في نكبة جديدة وما تعنيه من جرائم وماسٍ إنسانية مضاعفة.
دعم إعادة الإعمار و”الأونروا”: طرحت مصر خطة متكاملة للتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة، وتم اعتمادها عربيًا وإسلاميًا ودوليًا. ولا يفوتنا الإشادة بالدور الذي لا غنى عنه لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” لما تقدمه من دعم هائل ومُقدَّر لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وندعو كل دول العالم لتوفير الدعم الكامل والمستدام لها.
دولة فلسطين هي أساس الأمن: إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وعملية الإبادة الجماعية التي تحدث اليوم في قطاع غزة وإنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها الحق في إقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إنما يُفرغ أي حديث عن الأمن والسلام في المنطقة من مضمونه.
دعم مسار حل الدولتين: مصر تدعم الكامل لمسار مؤتمر حل الدولتين الذي قادته فرنسا والمملكة العربية السعودية، وتُشيد بالقرارات الشجاعة للدول التي أعلنت مؤخرًا اعترافها بدولة فلسطين المستقلة والحرة. فلا يمكن أن تنعم إسرائيل بالأمن فيما ينعدم الأمن للآخرين، ولن تنعم تلك المنطقة بالاستقرار دون دولة فلسطينية مستقلة.
مبادرة الأمن المتكافئ: حذر عبدالعاطي من استمرار السياسات القمعية والممارسات الإسرائيلية غير المسؤولة في غلق الباب أمام آمال شعوب المنطقة في التعايش السلمي. وفي مواجهة هذه التحديات، طرحت مصر والسعودية الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة التي أقرّتها الجامعة العربية، لتكون أساسًا لتصور جديد لإقليم ينعم كل أطرافه بالأمن المتكافئ والمتوازن والمستدام.

القضايا الإقليمية ودور مصر

قال وزير الخارجية: “يدنا ممدودة بالسلام، فلا تخذلوا أحلام أطفال يتطلعون لمستقبل مشرق، وشباب يرغبون في البناء والتعمير، وشيوخ يرجون الحياة الكريمة في سلام”. واقتبس من كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسي أن “السلام هو خيار مصر الاستراتيجي لضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوب المنطقة”.

تنظر مصر لمحيطها الملتهب من منظور شامل يرتكز على القانون الدولي ويعطي الأولوية لاحترام سيادة الدول، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، والحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، ومكافحة الإرهاب كركائز للاستقرار.

السودان وليبيا واليمن

السودان: تُشدد مصر على الأهمية البالغة لدعم السودان الشقيق الذي يمر بمرحلة دقيقة، وتدعم بكل قوة الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية بما فيها الجيش السوداني الوطني. وتعمل مصر مع مجلس السيادة السوداني والشركاء الدوليين في إطار الرباعية الدولية لاستعادة الأمن والاستقرار والسلام.
ليبيا: تؤكد مصر دعمها الثابت لليبيا الشقيقة ومؤسساتها الوطنية، وضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن في أقرب وقت ممكن، وأهمية خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا.
اليمن وأمن البحر الأحمر: تُشدد مصر على ضرورة حل الأزمة اليمنية وفقًا للمرجعيات الدولية، وصون حرية الملاحة والحفاظ على أمن البحر الأحمر، شريان التجارة الدولية. ولفت إلى أن مصر هي أكثر الأطراف تضررًا من هذا التصعيد، حيث خسرت أكثر من 9 مليارات دولار من عوائد قناة السويس نتيجة اضطراب حركة التجارة.
الصومال: أكد عبدالعاطي أن أمن الصومال واستقلاله ووحدته الترابية جزء لا يتجزأ من أمن الإقليم. ودعت مصر إلى تضافر الجهود وحشد التمويل اللازم من أجل تفعيل بعثة الاتحاد الإفريقي للدعم والاستقرار في الصومال “أوسوم”، مُشيرًا إلى اعتزام مصر المشاركة بقوات من الجيش والشرطة فيها.

ملف المهاجرين والتعاون النووي

المهاجرون واللاجئون: تقوم مصر بدور إنساني بارز من خلال استضافة أكثر من عشرة ملايين مهاجر ولاجئ، وتوفير بيئة تحترم حقوقهم وكرامتهم. ورغم الأعباء المتزايدة التي تفوق القدرة، تواصل مصر التزامها. وتؤكد مصر ضرورة تفعيل مبدأ تقاسم الأعباء والمسؤوليات المنصوص عليه في العهد الدولي للاجئين، وتدعو المجتمع الدولي لتقديم دعم أكبر وتمويل مستدام.
منع الانتشار النووي: تتبنى مصر سياسة نشيطة للوساطة وبناء السلام، وسعت لتعزيز الحوار بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمكنت هذه الجهود من التوصل إلى “اتفاق القاهرة” مطلع الشهر الجاري. وتستمر مصر في جهودها لتحقيق عالمية المعاهدة، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.

أزمة سد النهضة ومستقبل النيل

شدد الوزير على أن التعاون وفقًا للقانون الدولي هو ركيزة الاحترام المتبادل والسبيل الأوحد لتحقيق المنفعة المشتركة، وقد سعت مصر لتعزيز التعاون بين دول حوض نهر النيل.

وفي المقابل، ارتأت إثيوبيا مخالفة القانون الدولي وفرض الأمر الواقع ضمن سياساتها الأحادية، وأعلنت عن انتهاء سدها. قال الوزير: “حالمة أو بالأصح متوهمة أن مصر ستنسى حقوقها ومصالحها الوجودية في نهر النيل”.

أكد الوزير استعداد مصر التام لتناول الأمر في آليات القضاء أو التحكيم الدولية إن صدقت النية. أما وإن ركنوا للمماطلة وتهديد حياة ملايين البشر في دولتي المصب، فإننا لن نتساهل في حماية حقوقنا وإننا لقادرون على ذلك. ويكفل لنا ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي حماية مصالحنا الوجودية في نهر النيل.

إصلاح الأمم المتحدة والتمويل الدولي

أكد وزير الخارجية أن إصلاح الأمم المتحدة ومنظمات التمويل الدولية لم يعد خيارًا قابلاً للتأجيل بل ضرورة مُلحة لضمان تمثيل عادل ومتوازن في آليات اتخاذ القرار الدولي.

مجلس الأمن: تعيد مصر التأكيد على تمسكها بـتوافق “أوزوليني” وإعلان “سرت” لرفع الظلم التاريخي عن القارة الإفريقية بمجلس الأمن.
التمويل والتنمية: تدعو مصر لزيادة تمثيل الدول النامية في عملية اتخاذ القرار المالي العالمي وتوفير التمويل الميسر اللازم لتحقيق التنمية. كما شدد على أهمية إصلاح هيكل الديون العالمي الذي تلوح معه أزمة ديون وشيكة، وتبني آليات مستدامة لإدارة الديون.
تمويل المناخ: تُبدي مصر قلقًا متزايدًا في ظل أزمة تمويل المناخ المستمرة، وتؤكد على ضرورة توفير التمويل للدول النامية دون تحميلها أعباء ديون إضافية لأزمة لم تكن سببًا فيها. وتعرب عن قلقها من تراجع الدول المتقدمة عن تعهداتها، مما يُعيق تحقيق أهداف اتفاق “باريس”.

التحذير الأخير

شدد الوزير على أن الظرف الدولي والإقليمي دقيق للغاية، وفي ظل مسؤولية مصر التاريخية ودورها الأممي والإقليمي، كان عليها دق ناقوس الخطر والتحذير من مغبة الوضع وطرح خارطة طريق للتعامل مع هذا الوضع الحرج.

أكد أننا أمام منعطف مفصلي: إما توجيه الشرق الأوسط نحو استعادة العقلانية والاحتكام للقانون الدولي، أو الاندفاع لحالة من الفوضى قد يظن البعض أنه سيتحكم فيها بالقوة. وذكّر بأن التجربة والتاريخ أثبتا أن سكرة القوة دائمًا ما تنتهي بكارثة أول من تصيبه هو صاحبها.

وفي الختام، أكد وزير الخارجية أن مصر، الدولة المؤسسة للأمم المتحدة، تظل بعد ثمانين عامًا على عهدها ملتزمة بالقانون الدولي، ومتمسكة بتعزيز العمل متعدد الأطراف، إدراكًا منها بأن غياب الحوكمة الدولية سيكون وبالًا على الجميع. وأنه لا مناص عن الالتزام بالقانون الدولي، وتعزيز آليات إنفاذه، وتفعيل المساءلة إزاء منتهكيه.

واقتبس عبد العاطي من كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي: “إن السلام لا يولد بالقصف ولا بالقوة ولا بتطبيع ترفضه الشعوب، وأن السلام الحق يُبنى على أسس العدل والإنصاف والتفاهم”.