بدأت السينما بلقطات قصيرة.. ثم ظهرت الأفلام القصيرة الصامتة حتى نطقت الأفلام فى عام 1932 وكان معنى هذا وجود حوار يتبادله أبطال العمل.. وكانت كلمة السر عند المخرج.. القصة كلها فى دماغه.. وقد قسمها إلى مشاهد بينه وبين نفسه ويشرح لكل ممثل دوره.. وفكرة المشهد وماذا يقول ثم يتركه يرتجل.. والأفلام الأولى كانت أيضًا قصيرة ومن السهل التعامل مع مشاهد أغلبها أقرب إلى المسرح.. ولما تحولت الأفلام إلى روائية.. بدأ المخرج يكتب مثلما حدث مع محمد كريم وكان قد درس بالخارج.. كما أرسل الاقتصادى الكبير طلعت حرب بعثات عديدة فى أفرع السينما المختلفة للدراسة أيضًا.. كانت أبرز الأسماء فيها المخرج أحمد بدرخان، ولعبت الصدفة دورها فى اكتشاف السينما لنفسها.. عندما كانت صامتة كان يكفى أن يجلس أحدهم ومع ميكروفون ويعلق على الأحداث أو يشرحها.. ثم يكتبون الحوار على الشاشة.. كان المصور فى البداية هو الأصل.. ثم احتاج إلى وضع خطة للتصوير.. ثم احتاج بعد ذلك إلى من يكتب الحوار أو يضع النكتة أو الموقف الكوميدى ولأن المسرح فى مصر يسبق السينما اعتمدت فى بدايتها على الأسلوب المسرحى ونجوم هذا الفن.. وظهرت كلمة سيناريو لأول مرة عام 1932 مع تحول السينما من الصمت إلى الصوت.. لكن أسلوب كتابة السيناريو كان أقرب إلى وصف أدبى أو خطة عمل فى المشهد الفلانى سيحدث كذا وكذا وهنا ظهرت الحاجة إلى من يكتب الحوار وإذا كانت أغلب المعلومات تؤكد أن رواية «زينب» للأديب محمد حسين هيكل أول عمل قصصى أدبى مصرى يعتمد تحويله إلى فيلم فقد توصلنا بالبحث إلى أن هناك روايات سبقت زينب.. كتبها أديب لكنها لم تنشر فى الجرائد أو الكتب وهذه هى المفاجأة التى تنفرد بها.. مع نشر أجزاء من السيناريو وفى ذلك حكاية طريفة.
اعتمدت السينما فى خطواتها الأولى على رجال الصحافة والأدب فيما يخص الكتابة.. وللعلم زينب تم تقديمه أولاً كفيلم صامت ثم أعيد تقديمه ناطقًا بعد ذلك فى المرة الأولى قدمته بهيجة حافظ مع زكى رستم وفى المرة الثانية لعبت بطولته راقية إبراهيم مع يحيى شاهين وكان المخرج هو محمد كريم فى الصامت والناطق وكان بينهما 20 عامًا.. وقد ظهر اسم الفنان عبدالوارث عسر كاتبًا للسيناريو والحوار بمشاركة المخرج محمد كريم فى النسخة الناطقة..
ولو عدنا للوراء مرة أخرى وتحديدًا فى عام 1933 سنجد أن الأديب صالح سعودى كتب قصة بعنوان «الاتهام» بصياغة أدبية وكانت تحتاج إلى من يكتبها بشكل سينمائى أو ما يسمى بالمعالجة ولأن أغلب رجال الصحافة كانوا أدباء وشعراء.. وأصحاب ثقافة واسعة يتم اللجوء إليهم فى شئون الفن وخاصة التأليف وعندما اكتفى صالح بكتابة الفكرة فقط استعانت شركة فنار فيلم وقتها وهى منتجة الفيلم بالكاتب والناقد الصحفى السيد حسن جمعة.. لكى يعد القصة فى أسلوب سينمائي.. ووقعت الأزمة عندما تجاهلت الشركة المنتجة اسم «جمعة» بعد أن انتهى من كتابة السيناريو وما بذله من جهد فيه وهو فى هذا الوقت أشهر صحفى مهتم بشئون السينما ويعتبر الناقد الأول فى تاريخ السينما المصرية بلا منافس من واقع احتكاكه بالوسط الفني.. وخبراته وثقافته الواسعة..
وعندما بدأ جمعة يكتب عن المشكلة فكر فى نشر القصة الأدبية.. ثم نشر السيناريو الذى أعده للتصوير لنجد أنفسنا أمام وثيقة نادرة.. تقلب موازين المعلومات المتعارف عليها والمتداولة فى تواريخ السينما.
القصة التى كتبها سعودى جاءت فى أربع ورقات فقط.. عن بهيجة التى تعيش مع زوجها سامى فى الريف وقد رضيت بهذه العيشة حبًا فى زوجها الذى كان يهجرها لفترات طويلة لانشغاله بأعماله الزراعية.. وهذا ما يجعل شوكت ابن عم بهيجة الذى يحبها وكان قد طلبها للزواج من قبل يغازلها ويحرضها على هجر زوجها والسفر معه إلى القاهرة حيث الحياة أفضل وتتورط بهيجة فى جريمة قتل لا يد لها فيها.. وأيضًا يدبر لها شوكت مأزقًا حتى يثبت خيانتها لزوجها وانتقامًا منها لأنها لم تطاوعه.
هذا هو الملخص الأدبى الذى لا يخرج عن كونه حدوته مكتوبة.. سلمها سعودى إليهم ثم سافر إلى أوروبا.. وكان جمعة أمينًا عندما نشر النص الأدبى للفيلم كما هو.. وبعدها نشر نص السيناريو الذى يعتبر الأول فى تاريخ السينما كنص منشور لسيناريو.. لأن البحث عن السيناريست الأول مسألة فى غاية الصعوبة لأن الغالبية من المخرجين كانوا يعتمدون على أنفسهم.. ثم مع نطق السينما بدأت الاستعانة بالأدباء وخاصة فى الحوار ومن هنا ظهر بديع خيرى وهو الكاتب المسرحى اللامع عندما جاء به نجيب الريحانى إلى السينما فى فيلم «كشكش بك».. ثم ظهر أبو السعود الإبيارى شاعرًا غنائيًا.. وكاتبًا للسيناريو والحوار لكن أبرز مخرج كان يكتب سيناريوهات أفلامه وفى وقت مبكر جدًا هو أحمد جلال والد المخرج نادر جلال.
مؤلفات جمعة
عندما ينشر الناقد والكاتب الصحفى السيد حسن جمعة مجموعة من سيناريوهات أفلام كتبها وهى أعمال متنوعة منها البوليسى «سر الممثلة المقتولة» سيناريو سينمائى ناطق فى أربعة فصول «هكذا كانت البداية» والعمل كله لا يتجاوز خمس ورقات وكل فصل عبارة عن مرحلة من الفيلم لكن دون حوار ونشر أيضًا «أصل الغرام سينما» ووصفه بأنه سيناريو يموت من الضحك ويزعل شوية صغيرة.. وكتب أيضًا «القبلة القاتلة» سيناريو مقتبس من فيلم «القبلة القاتلة».. أى أنه اقتبس القبلة من القبلة.. كما نشر أيضًا «ممثل رغمًا عنه» سيناريو سينمائى فى ثلاثة مناظر وفصل بارد – على حد تعبيره – فى تقديم السيناريو.. ويبدو أن جمعة كان ينشر آراءه فى أهل الفن نجوم هذا الوقت.. بشكل غير مباشر على شكل سيناريوهات تقع فى عدة مناظر.. أما عن مشكلته فى فيلم الاتهام فقد نشر السيناريو الذى كتبه ولما عرض الفيلم اعترض على ما جاء فيه واتهم المخرج بأنه عدل وبدل فى الأحداث بطريقة حولت الفيلم أو الشريط كما كانوا يطلقون عليه إلى عمل ماسخ ومهلهل.. ولما رجعت إلى الأفيش وجدت اسم صالح سعودى مؤلفاً للفيلم.. وتجاهلوا تمامًا اسم السيد حسن جمعة.. وقد لعبت بهيجة حافظ بطولة الفيلم مع زكى رستم وزينب صدقى وأخرجه ماريو فولبي.. وتقرر عرض الفيلم فى 13 مارس 1935 فى الإسكندرية وبورسعيد وقد لقبت الدعاية بطلة الفيلم انها أول كوكب سينمائى مصرى وطالبوا الجمهور بحجز الأماكن مقدمًا.. ومن باب العلم بالشيء كان يطلقون على المخرج لقب المدير الفنى على غرار ما يحدث فى ملاعب الكرة حاليًا.. وعلى الكاتب الذى يعالج القصة الأدبية إلى موضوع سينمائى «الطبيب الفني»..
نموذج سيناريو
تحت عنوان «سر الممثلة المقتولة» نشر جمعة هذا السيناريو الذى يقع فى أربعة فصول.. يبدأ الفصل الأول كما جاء فى النص تطفأ الأنوار ويظهر على الشاشة اسم الشريط ثم أسماء واضع السيناريو والمدير الفنى والمصور والممثلين وواضع الموسيقى وصانع الملابس ومهندس الصوت.. إلخ.. يتخلل عرض المقدمات الكتابية نغمات لحن الافتتاح ثم يفتح المنظر على غرفة نوم يتوسطها سرير تمددت فوقه فتاة غرقت فى سبات عميق.. الغرفة مضاءة بنور أزرق ضئيل ينبعث من مصباح كهربائى موضوع فوق طاولة صغيرة بجانب السرير كل ما فى الغرفة هادئ ساكن يبعث فى النفس روعة ووحشة صوت خافت ينبعث من خارج النافذة.. التى تفتح شيئًا فشيئًا فيظهر من خلفها شبح مقنع لا يظهر وجهه يتقدم الشبح من السرير الذى تنام فوقه الفتاة لا يكاد يقترب منها حتى تصطدم قدمه بكرسى موضوع بجانب السرير فيحدث صوتًا يوقظ الفتاة من نومها فترى الشبح فتصرخ يقترب الشبح منها مسرعًا ويهوى عليها بسكين فتصرخ صرخة ألم وترتمى فوق الفراش وهى تتلوى من فرط الألم ويسرع الشبح إلى النافذة بعد ارتكاب الجريمة ويخرج منها تحشرج الفتاة حشرجة الموت ثم لا تلبث حتى تلفظ نفسها الأخير يسود الغرفة صمت مروع لا يعكر صفوه سوى نغمات موسيقى حزينة ناعمة تتمشى مع روعة الموقف.. يبتعد المنظر للأمام فإذا بالغرفة عبارة عن ديكور فى استديو سينمائي.. وطاقم العمل يتابعه كل فى اختصاصه ويقترب المدير الفنى من الفتاة:
– برافو سميرة أهو كده التمثيل وبلاش أهنيكى على براعتك هاتى إيدك أصافحها لكنها لا ترد.
ثم تعرف بعد ذلك أن الممثل الذى لعب دور الحرامى قتلها بجد لأنه كان يحبها وهى ترفضه.. ثم تتوالى مفاجآت السيناريو فى الفصول التالية..
فهل أخذت فكرة عن التأليف السينمائى منذ ما يقرب من مائة عام!
وقد أعاد سمير صبرى تقديم الفيلم 1987 بنفس الاسم «الاتهام» ولعبت بطولته إيمان مع روعة الكاتب وعزيزة راشد وأحمد راتب وأخرجه أحمد ثروت.. مع اختلاف أسلوب القصة..