لا أخفى سعادتى بتوجيه القيادة السياسية لوضع استراتيجية وطنية وخارطة طريق لتطوير المحتوى الإعلامى ومواكبة الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي.. وسعدت كثيرا بالجهد الكبير للهيئة الوطنية للصحافة بقيادة المهندس عبدالصادق الشوربجي.. وجلسات المناقشة المستمرة لتنفيذ توجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بتطوير الإعلام المصرى بوصفه أحد الأعمدة الرئيسية فى بناء الوعى الوطنى فى مصر الجديدة.
والحقيقة ان تطوير المحتوى الاعلامى يحتاج إلى فهم طبيعة المحتوي.. ومن الذى يصنع هذا المحتوى الذى هو فى حاجة إلى التطوير ومن أين تحصل وسائل الاعلام المختلفة على هذا المحتوي؟ ويسبق هذه الخطوة المهمة تطوير البنية التحتية الرقمية للمؤسسات الصحفية والاعلامية بحيث لا تقل فى المستوى والتقنية عن وسائل الاعلام العالمية التى أسعى إلى منافستها وإيجاد مكان لى على الساحة العالمية حتى أتمكن من إيصال رسالتى للآخرين وتأهيل المؤسسات الاعلامية لذلك..
ويسبق مرحلة تطوير المحتوى تأهيل الكوادر التى تصنع وتطور وتروج هذا المحتوي.. فلا قيمة على الاطلاق لسيارة «بى إم دبليو» تحت قيادة سائق غير مدرب أو لا يجيد القيادة.. فالعنصر البشرى هو أساس أى تطوير وتحديث وأكرر دوما فى مسألة تطوير المنظومة التعليمية ان تطوير العقول يجب أن يسبق تطوير «الفصول»..
أيضاً يجب أن يسبق تطوير المحتوى الوقوف جيدا حول الإيمان برسالة الإعلام والإيمان أيضاً انك تصنع منتجا للآخر وليس لنفسك وان صناعة الاعلام شأنها شأن أى صناعة هدفها المتلقى الذى هو القارئ أو الطرف الآخر الذى أريد أن تصل إليه رسالتي.. فالصانع الماهر الناجح هو الذى يبحث أولاً عما يريده المستهدف الذى هو المستهلك والذى هو المتلقى فردا كان أو نظاما عالميا ثم قدرتى على إيصال ما أريده إليه وقدرتى على أداء رسالتي.. ويجب أن يسبق تطوير المحتوى تطوير النظرة إلى المؤسسات الاعلامية خاصة الصحف القومية.. فمن الخطأ الكبير والمعيب أن ننظر للصحف على انها مؤسسة تجارية عليها أن تحقق ربحا وأعاملها بمفهوم المكسب والخسارة.. فرسالة التنوير والتبصير وتوجيه الرأى العام لصالح البلاد والعباد وتبنى الرؤية الوطنية والمواقف القومية رسالة لا تقدر بمال وهى رسالة لا تقل أهمية عن رسالة الهيئات السيادية نحو الوطن.
>>>
الإيمان برسالة الإعلام ودور الصحف القومية وتطوير البنية التحتية التكنولوجية للمؤسسات وتأهيل الكوادر أساس تطوير المحتوى الاعلامى والارتقاء بالدور المنوط لوسائل الاعلام والإيمان بأن التطوير يبدأ من قدرتى على إيصال رسالتى للآخر داخليا أو خارجيا.
أعود لمفهوم «المحتوي» الذى نسعى لتطويره.. قطعا «المحتوي» يصنعه البشر.. وهذا المحتوى يختلف من إعلام مجرد ناقل ويردد ما يردده الآخرون.. ويكتفى بالنقل عن الآخر وهو أفشل وسائل الإعلام.. ولا دور له على الاطلاق فى الرسالة البناءة للإعلام وإنما دائما يروج فكر وأيديولوجية الآخر وأبسط مثال.. ما كان يردده إعلاميا فى المصطلح الغربى «ثورات الربيع العربي» هم رأوا ما يحدث انه ربيع عربي.. وسار إعلامنا الناقل خلفهم بينما كانت «ثورات التدمير العربي» هم إعلام مبتكر ومؤثر وينجح فى إيصال فكرهم ورؤيتهم للآخر.. بينما اكتفينا نحن أن نكون إعلاما ناقلا ودائما تقول وسائل إعلامنا قالت «البى بى سي» قالت «السى إن إن».. و.. و.. وسائل اعلام مخابراتية تروج ما يروج له الآخرون حتى لو كان ضد الصالح العام دون وعي.. لذلك يجب أن يكون إعلامنا مبتكراً.. صانع المحتوي.. يؤثر فى الآخر ويروج لرؤيته وغايته.. فالإعلام الناجح هو من يصنع المحتوي.. والإعلامى الناجح هو الذى يصنع المحتوى ولا يكتفى بالنقل عن الآخر!!
>>>
وخلال مشوار طويل فى مهنة البحث عن المتاعب كنا نطلق على الصحفى الذى يأتى بالأخبار «مخبر صحفي» كان يذهب إلى دهاليز الهيئات والوزارات أو حتى مما يتردد على المقاهى ويأتى بالانفرادات والأخبار.. يصنع الأخبار.. وكان يكافأ من يحصل على انفراد لم تحصل عليه وسائل إعلام أخري.. لكن اليوم يكتفى الكل بوصول الفاكس الواحد الذى يصل إلى كل الصحف والفضائيات فصار المحتوى باهتا روتينيا.. فلابد من العودة لصناعة محتوى بناء هادف يساهم فى أداء رسالة التنوير والتبصير والإصلاح وتسليط الأضواء على مواطن التقصير لإصلاحها كسلطة رابعة تساهم فى بناء الوعى والوطن.. وللموضوع بقية.. فتطوير الاعلام مهمة وطنية.. ولابد أن يشارك خبراء المهنة.. وأقول خبراء المهنة وليس خبراء الأكاديميات والدراسة النظرية فالفرق كبير والبون شاسع بين المهنة ومتاعبها ومشاكلها ووسائل النهوض بها وبين الدراسات النظرية.. ولنا عودة بإذن الله تعالي.