شهدت مدينة نيويورك وعلى هامش اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حدثًا دبلوماسيًا بالغ الأهمية تمثل فى عقد «المؤتمر الدولى رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين».. هذا المؤتمر الذى عُقد برئاسة مشتركة سعودية وفرنسية، لم يكن مجرد اجتماع عادي، بل كان نقطة تحول مفصلية فى مسار القضية الفلسطينية، وأكد أهمية الدور الذى لعبته مصر فى حشد الدعم الدولى وتحريك المياه الراكدة نحو تحقيق السلام العادل والشامل فى المنطقة.. لقد كانت مشاركة مصر فى هذا المؤتمر حاسمة، حيث قدمت رؤيتها الإستراتيجية، وشددت على ثوابتها التاريخية، وعملت بفاعلية من أجل تحويل حل الدولتين من مجرد شعار إلى واقع ملموس. ولطالما كانت مصر هى قلب العروبة النابض، وحجر الزاوية فى أى جهود للسلام فى الشرق الأوسط.. إن تاريخها الحافل بالدفاع عن القضية الفلسطينية، ابتداءً من الدعم ووصولاً إلى جهود الوساطة الدبلوماسية، يثبت التزامها الراسخ بإنهاء الصراع.. فى هذا المؤتمر جاءت مشاركة مصر لتؤكد على هذا الدور التاريخي، فكلمة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء التى ألقاها نيابة عن رئيس الجمهورية، كانت صريحة وحاسمة.. لقد أكدت مصر أن حل الدولتين ليس مجرد خيار سياسي، بل هو «ضرورة أمنية» لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار والأمن فى المنطقة. هذه الرسالة الواضحة وجهت نداءً إلى المجتمع الدولى بضرورة العمل الفورى على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.
أحد أبرز مظاهر الدور المصرى الفاعل فى هذا المؤتمر كان قيادتها المشتركة مع المملكة المتحدة لمجموعة عمل «العمل الإنسانى وإعادة الإعمار».. هذه المجموعة لم تكن مجرد إضافة شكلية، بل كانت جوهرية فى إطار المؤتمر، لا سيما فى ظل الظروف الإنسانية الكارثية فى قطاع غزة.. لقد كانت مصر، بحكم موقعها الجغرافى ودورها كشريان حياة لغزة، هى الأقدر على قيادة هذا المحور.. لقد ركزت جهودها على ثلاثة محاور رئيسية وهى وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان أكدت مصر على أن أى جهود لإعادة الإعمار يجب أن تبدأ بوقف فورى لإطلاق النار، مشددة على أن إنهاء حمام الدم فى غزة هو واجب وضرورة إنسانية وأمنية.
ودعت مصر المجتمع الدولى إلى المساهمة الفعالة فى خطة إعادة إعمار غزة، مؤكدة ضرورة دعم الشعب الفلسطينى وتجاوز الخسائر الجسيمة التى سببها العدوان الإسرائيلي.. ورفضت مصر بشكل قاطع أى محاولات لتهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته، واعتبرت ذلك جريمة تطهير عرقي، وشددت على أن إعادة الإعمار يجب أن تضمن بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه.
كان المؤتمر بمثابة منصة دبلوماسية قوية نجحت مصر فى استغلالها لتكثيف الضغط على إسرائيل. فمن خلال الكلمات واللقاءات الثنائية والجماعية، ساهمت مصر بشكل كبير فى «تضييق الخناق الدبلوماسي» على إسرائيل، وكشف ممارساتها التى تخالف القانون الدولي.. وقد أثمرت هذه الجهود عن تحركات دولية ملموسة، أبرزها اعتراف عدة دول غربية، مثل فرنسا، بالدولة الفلسطينية.. إن هذا التحول النوعى فى موقف بعض الدول يعد انتصارًا كبيرًا للجهود الدبلوماسية العربية، وفى مقدمتها الجهود المصرية التى لم تتوقف يومًا.
ويُعد مؤتمر حل الدولتين الذى عُقد فى نيويورك لحظة تاريخية فارقة، أعادت الزخم للقضية الفلسطينية ووضعتها مجددًا على رأس أولويات الأجندة الدولية.. لقد كان لمصر، من خلال دورها المحوري، فضل كبير فى دفع هذا المسار إلى الأمام.. فمن خلال قيادتها لمجموعة العمل الإنسانية، وكلمتها الحاسمة التى أكدت أن حل الدولتين هو ضرورة أمنية، نجحت مصر فى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية لا غنى عنها فى أى جهود للسلام.. إن المؤتمر لم يكن نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من العمل الدبلوماسى المكثف، الذى تواصل فيه مصر، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين، سعيها لتحقيق السلام العادل والشامل، وإنهاء الصراع، وضمان حقوق الشعب الفلسطينى فى الحرية والكرامة والاستقلال.