حين نقرأ التاريخ ونستعرض مسارات الأمم، ندرك أن كل شعب تُمنح له بين الحين والآخر فرصة ذهبية، لا تتكرر كثيرًا، قد تغيّر مساره وتصوغ مستقبله. فى حالتنا نحن، كانت هذه الفرصة متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرجل الذى ظهر فى لحظة فارقة من عمر الوطن، ليحمل على كتفيه عبء الدولة المصرية، ويحميها من خطر التفكك والانهيار، ويحافظ على بقاء الدولة وسيادتها وشرفها وسط محيط عاصف من المؤامرات والإرهاب والتفكك الإقليمي.
الرئيس السيسى لم يكن مجرد رئيس جاء عبر صندوق الانتخابات، بل كان وما زال مشروعًا متكاملاً لإعادة بناء مصر على أسس جديدة، عبر مفهوم “القدرة الشاملة” للدولة. مشروعات قومية عملاقة فى البنية التحتية، تطوير فى قطاعات حيوية كالكهرباء والطاقة والطرق والإسكان، إصلاحات اقتصادية صعبة لكنها ضرورية، إعادة تموضع مصر إقليميًا ودوليًا، وإطلاق فكرة “الجمهورية الجديدة” التى تفتح آفاقًا واسعة للمستقبل.
لكن السؤال الذى يجب أن نطرحه بصدق وتجرد، ونحن نمارس مراجعة ذاتية كأمة: هل أحسنا استغلال هذه الفرصة التاريخية؟ هل كنا على قدر الحلم الذى فتحه الرجل أمامنا؟ أم أننا تركنا البيروقراطية ودولة الموظفين والكسل والجدل العقيم يسرق منا لحظات نادرة لا تعوّض؟ هنا لا أتحدث عن الرئيس وحده، بل عنَّا “نحن” جميعًا: شعبًا ومؤسسات وحكومات. نحن الذين يجب أن نتحمل المسئولية جنبًا إلى جنب مع القائد، فنحن شركاء فى المشروع الوطني، ولسنا متفرجين أو عابرى سبيل.
الرجل قدّم تضحيات غير مسبوقة، وواجه تحديات ما كانت أمة لتخرج منها سالمة لولا صلابته وثباته. حمى الدولة حين تهاوت من حولنا دول كبرى وصغري، أعاد للمؤسسات الوطنية تماسكها، وفرض لمصر احترامًا جديدًا فى العالم. ومع ذلك، يبقى التحدى الأكبر: أن ننتقل من مرحلة “الحفاظ على الدولة” إلى مرحلة “الإقلاع والتقدم الشامل”.
أنا على يقين بأن السيسى ليس مجرد رئيس عابر فى سجل الحكام، بل هو “فرصة” مصر التاريخية لبناء دولة قوية، مستقلة، عصرية، قادرة على حماية نفسها وقيادة محيطها. والفرصة- بطبيعتها- لا تدوم للأبد، بل تنتظر من يستثمرها بعقل ووعى وإرادة. السؤال المفتوح أمامنا: هل نستيقظ جميعًا، ونستكمل ما بدأناه فى مشروعنا الوطنى الكبير، فنكتب تاريخًا جديدًا يليق بأرض الكنانة؟ أم نسمح للفرصة أن تفلت من أيدينا ونكتفى بالبكاء على أطلالها بعد سنوات؟
الجواب لا يملكه السيسى وحده، بل نملكه نحن جميعًا. الفرصة ما زالت قائمة، والرجل ما زال حاضرًا بقوة ووعى وإرادة. فهل نرتقى إلى مستوى الحلم القومى ونستكمل البناء، أم نضيّع اللحظة التى لن تتكرر