عاد العام الدراسى من جديد، وسبقه الاستعدادات لاستقباله، وفى مقدمتها حجز الدروس الخصوصية، سواء فى المنزل ـ البرايفيد ـ أو فى السنتر «المجموعات».. وحسب السنة الدراسية، تختلف معاناة الأسر، فالدروس لتلاميذ المرحلة الابتدائية أقل وطأة من طلاب الإعدادية، أما الثانوية بفروعها المختلفة «علمى، أدبى، صناعى، وغيره» فحدث ولا حرج.
ورغم الجهد المبذول من وزارة التربية والتعليم ومن مسئولى الإدارات المحلية لمكافحة ظاهرة الدروس الخصوصية، إلا أن الظاهرة استطاعت أن تفرض نفسها على الجميع، بل وقررت أن تكون دائمة وفوق إرادة الأسر المصرية، خاصة بعد غياب المتعة الحقيقية فى التعلم والاعتماد على الحفظ والتلقين بدلاً من التفكير والإبداع.
تشير الدراسات إلى أن ثلاثة أرباع طلاب الصف الثالث الثانوى يتلقون دروساً خصوصية، بل ويبدأ حجز الحصة أو الاشتراك فى الدرس من منتصف الإجازة الصيفية، ويتهافت الطلاب على المعلمين المتخصصين فى المواد حتى لا تفوتهم فرصة التعلم الجيد.
ورغم أن كثير من المعلمين يعتمدون على الدروس الخصوصية لتغطية احتياجاتهم المالية، إلا أن القليل منهم أصبحوا مشاهير على السوشيال ميديا، وهو ما يجعل بعضهم يعتمد على علاقاته داخل الإدارات التعليمية فى حماية «السناتر» التى يمتلكها أو يعمل بها. وفى بعض الإدارات، يكفى وجود صلة قرابة بسيطة «لفراش مكتب السيد مدير عام الادارة التعليمية» للتمكن من إقامة سنتر ممنوع غلقه ويعمل فى حماية تامة.
غابت الثقة فى جودة التعليم، وركزت المناهج على الحفظ، فلم يجد الأهل سوى الدروس الخصوصية كوسيلة للبقاء على قيد النجاح.
فى فنلندا، استطاعوا تحويل التعليم إلى رحلة شغف واكتشاف. هناك، يتم اختيار المعلمين من بين أفضل الخريجين، ويخضعون لتدريب مستمر، مع رواتب عادلة تعكس مكانتهم الاجتماعية. المدارس تشجع الابتكار، فيصبح التعليم تجربة ممتعة للأطفال، وليس مجرد سباق نحو الامتحانات.
أما سنغافورة، فقد اعتمدت على تطوير مهارات التفكير النقدى وحل المشكلات بدلاً من الحفظ، مع دعم المعلمين بالبرامج التدريبية والمنح، لتصبح التكنولوجيا جزءاً من العملية التعليمية، ويصبح التعليم أكثر تشويقاً وفاعلية.
الحلول تكمن فى تحسين رواتب المعلمين، وتطوير المناهج لتشمل التفكير النقدى والإبداعى، وتوفير تدريب مستمر للمعلمين، واستخدام التكنولوجيا لخلق بيئة تعليمية أكثر تفاعلية وجاذبية، وإشراك المجتمع من خلال برامج توعوية ودعم حقيقى للعملية التعليمية. ولعل ذلك يخرجنا من دوامة الدروس الخصوصية.
إنقاذ التعليم ليس مستحيلاً، بل هو تحدٍ إنسانى قبل أن يكون سياسياً.. لا تزال الفرصة ممكنة ليحب الأطفال التعليم ويثقوا فيه.. التعليم الجيد ليس رفاهية، بل حق لكل طفل ولكل أسرة.