تناولنا فى المقال السابق أن الأمة العربية تمتلك ثروات وأوراقا تستطيع لو أحسنت استخدامها أن تحافظ على مصالحها وحقوقها فى القضايا المختلفة، ولكن شيئا من ذلك لا يحدث، وأن ما يمر به العرب اليوم قد تكون فعلياً أصعب مرحلة فى تاريخهم الحديث والمعاصر، لذا فقد جاءت قمة الدوحة منذ أيام وسط تصاعد غير مسبوق فى «التوترات الإقليمية»، والاعتداء على سيادة دولة قطر، وعلى خلفية الأوضاع المأساوية الإنسانية والسياسية التى تجاوزت حدود فلسطين إلى عمق العالمين العربى والإسلامى، وفى هذا السياق جاءت كلمات الرئيس السيسى خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة لتحمل العديد من الرسائل خاصة للداخل الإسرائيلى، وتزامنا مع ما صرحت به حكومة بنيامين نتنياهو بأنها ستردع كل من يحاول الاعتداء على الكيان، وستقوم برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وأن هذه الخريطة تحتوى على عدد من التغيرات الكبرى يسعى نتنياهو لتحقيقها ومن بينها إنهاء أى إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وإنهاء ارتباط القضية الفلسطينية بالتطبيع والسعى الصهيونى نحو إقامة علاقات مع دول المنطقة عن طريق استكمال الاتفاقيات الإبراهيمية، ايضاً مواصلة الضغط والحصار على النظام الإيرانى حتى يتم التأكد من التخلى عن المشروع النووى، وهنا فإن قمة الدوحة قد تكون بداية تصحيح المسار العربى، المرهون بتكوين موقف عربى موحد لمواجهة التحديات الصهيونية القائمة والمستقبلية، وعدم الركون الى المصالح الضيقة المثبطة للعزائم وقياس موازنة القوة حسب قدرات الجيوش والتى يجب ان تكون لها قواعد أساسية تعتمد عليها مثل الهيئة العربية للتصنيع. تلك الهيئة التى انشئت فى 1975 لبناء قاعدة صناعية وتكنولوجية متقدمة. بدأت بمصر وقطر والسعودية والامارات وبرأس مال مليار دولار لانشاء صناعة الدفاع العربى المشتركة بين عن طريق الجمع بين مصر التى تتمتع بالإدارة وقوة العمل الصناعية، مع البلاد العربية التى تتمتع بثروة البترول، والمال، والتكنولوجيا الأجنبية، والجزء الأكبر من تصنيع الأسلحة كان من المقرر أن يتم فى مصر، عبر تصنيع القذائف والصواريخ وأجزاء محركات الطيارات، والمصفحات الناقلة للأفراد، والالكترونيات، والرادارات، وصناعة الاتصالات، والعتاد، والطيارات. سواء مع شركات فرنسية لتجميع المروحيات القتالية ومحركات الطيارات المروحية، أو مع شركات بريطانية لتصنيع قذائف SwingFire المضادة للدبابات، وعربات الجيب. المطلوب الآن إعادة إحياء الهيئة العربية للتصنيع بفكر وإستراتيجية جديدة ، تضمن التمويل اللازم لتحقيق أهدافها بأن تكون حائط الصد نحو الدفاع العربى المشترك، وهذا يتطلب تخصيص نسبة 1 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى لكل دولة عربية، على أرض الواقع نحن نتحدث عن 36 مليار دولار حصيلة أولية لزيادة رأسمال الهيئة العربية للتصنيع، تدفع مرة واحدة، أما فى السنوات التالية فيخصص 1 ٪ من الزيادة عن السنة السابقة، بمعنى لو الناتج المحلى الإجمالى للدول العربية زاد من 3،6 تريليون دولار إلى 4 تريليونات دولار فى السنة التالية يتم تخصيص 1 ٪ فقط من الزيادة أى 4 مليارات دولار، أعتقد أن هذه الفكرة بوضع خطة وإستراتيجية ممنهجة لها لتنفيذها والمحافظة على استمراريتها ستضمن وجود درع وسيف لأمة جارت عليها الأمم، ومن هنا نعود للتأكيد أن العرب قادرون اليوم على استعادة مواقفهم المشرفة واستشراف مستقبل آمن للأجيال من خلال عودة حقيقية دون رواسب للعلاقات العربية العربية، وتجاوز كل المطبات، واستعادة جامعة الدول العربية دورها المأمول، وألا تقف فقط تنظر للواقع العربى دون حراك، وأخيراً لا بد من ترجمة هذه القدرات لواقع يكون للشباب قبلة ، وللأجيال القادمة غطاء عبر إعادة إحياء الهيئة العربية للتصنيع.