مع أن عملية السلام بدأت بتحريض امريكى لمصلحة إسرائيل.. فإنه من المنتظر أن تحتضر وتلفظ أنفاسها الأخيرة بمؤامرة أمريكية ايضا لتحقيق اهداف إسرائيلية أيضا..
الإدارة الامريكية الحالية تنسف كل السياسات السابقة فى التوجه نحو السلام وتدمر بالفعل كل ما تم بناؤه من جسور وترفض بشدة الأسس التى قامت عليها العملية السلمية منذ عقود.. وتضع اتفاقات السلام فى مهب الريح..
قراءة الخريطة ومتابعة التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض وتل أبيب كلها تؤكد رفض السلام رفضا مطلقا والمطروح على الطاولة املاءات صهيوامريكية إما القبول أو اطلاق النار إذ لا اعتبار لأى شىء لا قانون دولى ولا اتفاقيات ولا معاهدات ولا حتى وسطاء أو رسل سلام..
الملاحظة الأشد خطورة وايلاما أن الإدارة الامريكية أشد تطرفا فى مواقفها من مجرم الحرب رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وزبانيته فى الحكومة اليمنية الأشد تطرفا فى التاريخ.. وفى بعض الأحيان إن لم يكن كلها.
لا يستطيع المرء أن يفرق بين التصريحات الصادرة من البيت الأبيض أو الكابينيت الإسرائيلى ومن المفارقات المدهشة أن تجد بعض الإسرائيليين يعارضون نتنياهو وينتقدونه بشدة ويطالبون بوقف فورى للحرب الغبية المدمرة فى غزة والإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى الأعزل..
الصوت الأمريكى هو الأعلى فى رفض وقف الحرب وهو الأعلى أيضا فى رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية (راجعوا تصريحات ترامب وربيو وزير خارجيته) وهو أمر يثير الدهشة والاستغراب فى دولة كان يفترض أنها راعية للسلام والداعية إليه.. لا غرابة فقد اشهرت أمريكا الفيتو 51 مرة لصالح إسرائيل منذ العام 1967 بينها 6 مرات مؤخرا لمنع وقف حرب الإبادة فى غزة.
الانحراف الأمريكى عن مسار السلام ازداد حدة مع وصول اليمين المتطرف إلى الحكم فى إسرائيل والذى أعلن بوضوح رفضه لاتفاقيات السلام واخترع أساليب ماكرة للتطبيع بعيداً عن الفلسطينين أصحاب القضية.
الخروقات الأمريكية عن مسار السلام تزداد اتساعا وصعوبة على أى رتق مع ارتداء ساكنى البيت الأبيض للكيباه اليهودية وهى غطاء رأس مستدير صغير فى سياق الطقوس الدينية اليهودية.. ويرتديها غير اليهود من باب المجاملة لهم فى طقوسهم إلا أن الكيباه تحولت بعد ذلك إلى رمز للخضوع والموالاة من جانب غير اليهود لتأييد المواقف الصهيونية..
ومنذ أن استغرق رؤساء أمريكا فى ارتداء الكيباه وتنافسوا على ذلك فى السنوات الأخيرة حلت عليهم لعنة كراهية السلام والتوحد مع الحكومات الصهيونية المتطرفة حتى ولو كانت المواقف تضر فعليا بالسياسة الأمريكية وبمصالحها العليا فى المنطقة العربية والعالم..
الجدير بالملاحظة أن ساكنى البيت الأبيض فى السبعينيات وفى فترة الترويج للسلام وإقناع العرب بأهمية وضرورة السلام والعيش المشترك مع إسرائيل والقبول بها كدولة غير منبوذة لم يرتدوا الكيباه اليهودية حتى أثناء زيارتهم للكيان الإسرائيلى..
يفسر البعض سبب ارتداء رؤساء أمريكا طاقية اليهود خلال زيارات إلى مواقع دينية كتعبير عن التأييد المطلق ودلالة رمزية للوحدة مع إسرائيل..
فقد تم إحصاء أكثر من اثنتى عشرة زيارة رئاسية أمريكية إلى إسرائيل قام بها من قبل خمسة رؤساء وتعلقت بمجملها بعملية السلام بين العرب والكيان. وكانت زيارة ترامب فى ولايته الأولى هى الـ 11 لرئيس أمريكى.
وكان الرئيس ريتشارد نيكسون هو الأول الذى يزور إسرائيل عام 1974 أى بعد 26 عاما على الإعلان عن قيامها فى الأمم المتحدة بدعم كبير من الولايات المتحدة وجاءت الزيارة بعد فض الاشتباك بين القوات العربية وإسرائيل إثر حرب أكتوبر 1973، ولم يرتد نيكسون الكيباه خلال الزيارة.. وقد شملت جولة نيكسون آنذاك مصر والسعودية وسوريا والأردن. وزار إسرائيل لاحقا: جيمى كارتر وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما وبايدن وترامب.
باراك أوباما ارتدى الكيباه أكثر من مرة وفى مناسبات مختلفة منها خلال مراسم تشييع رئيس دولة الاحتلال السابق شيمون بيريز وأثناء المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الاتفاق النووى ليقنع نتنياهو بوجهة نظره فى الاتفاق وأيضا خلال زيارته لمعبد يهودى فى واشنطن.
وارتدى ترامب الكيباه خلال زيارته للحائط الغربى فى القدس عام 2017 وكان أول رئيس أمريكى فى منصبه يزور الحائط المبكى. كما ارتدت ابنته إيفانكا الكيباه خلال زيارتها لإسرائيل بعد أن اعتنقت اليهودية عند زواجها من جارد كوشنير عراب صفقة القرن الشهيرة والذى يقف بقوة وراء صفقة ريفيرا غزة!!
من أقوى الأدلة على تنكر أمريكا للسلام ما تفعله بالأمم المتحدة وإهانتها المستمرة للمنظمة الدولية ومنعها من القيام بدورها الأساسى فى حفظ الأمن والسلم الدوليين.. حتى أصبحت المنظمة مشلولة تماما لم تقدر حتى على الدفاع عن نفسها أمام اهانات مندوب إسرائيل ومندوب أمريكا المستمرة وتعمدهما الانتقاص من قدر المنظمة وتوجيه سيول من الاتهامات والشتائم للامين العام جوتيرش ورؤساء الأجهزة والمنظمات التابعة للأمم المتحدة لأنهم يقولون الحق ويكشفون الحقيقة حول ما يجرى من إبادة جماعية واستخفاف بالقانون الدولى ومنظماته..
يا سادة السلام يحتاج إلى رعاة يؤمنون به ويعملون من أجله والحفاظ عليه ويقاومون أى توجهات للاعتداء عليه من أى طرف كان… والله المستعان..