أعتقد ان النور الضعيف قد بدأ يلوح فى نهاية النفق المظلم، أقصد بذلك إرهاصات انتصار الشعب الفلسطينى فى طريق استعادة دولته التى قوضها الاحتلال الاسرائيلى منذ اعلان قيام الكيان الإسرائيلى 1948 باعتراف دولى، ومثلما ولد سفاحا هذا الكيان بذاك الاعتراف، أعتقد ان نهايته أيضاً بهذا الطوفان الدولى بالاعتراف بدولة فلسطين.
ما كان سيتم ذلك، لولا بحار الدماء الذكية والاف الشهداء والخراب والدمار والتشريد الذى حدث لأول مرة فى التاريخ على الهواء مباشرة، ليبدد أى عذر لصاحب أى ضمير فى عدم المعرفة، نعم الذى دفع ويدفع ثمنه هو الشعب الفلسطينى المحاصر فى بلده سواء فى غزة أو الصفة الغربية، ولكن النتيجة ما بدأنا نراه الآن
المهم ان التحول الذى حدث، ليس بالاعتراف الدولى فى حد ذاته رغم أهميته، لكن المهم أن يأتى بعد جوهر ومضمون ودلالة المقاومة، والمهم هنا إن الاعتراف يأتى من أشد حلفاء إسرائيل فى أوروبا وكندا وإستراليا بعد ان ظل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى ولسنوات يأتى من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وأعتقد ان هذا هو الانتصار السياسى للمقاومة الفلسطينية من جهة، ومن جهة ثانية إنه يؤكد الحقائق التاريخية الثابتة بأن نصال الشعوب فى طريقها للتحرر هو المنتصر فى النهاية مهما كانت التضحيات والتحديات وجبال الإلغام!!
وبلغة المنتمين لمعسكر الواقع وبعيداً عن الأحلام التى نغرق فيها بلغتهم، أقول ان اتجاه العديد من الدول الأوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يمثل تحولاً مهمًا فى المشهد السياسى الأوروبى، ويعكس تزايد الإحباط من الجمود فى عملية السلام التى تتزعمها واشنطن فى سيناريوهات مفضوحة للقضاء على الحلم الفلسطينى باسترداد ارضه، وكان آخر هذه السيناريوهات خطة ترامب بتهجير أهل غزة منها لتحويلها الى ريفيرا أمريكية على الأرض الفلسطينية، وكأن الأرض بلا صاحب، أو محاولة استعادة تجربة المهاجرين الأوروبيين الى أرض أمريكا منذ مئات السنسن باجتثاث الهنود الحمر من جذورهم.
يعكس التحول الأوروبى الرغبة فى تعزيز حل الدولتين كوسيلة لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.. وهذا الاعتراف له آثار عميقة على حل الدولتين، ومن جهة ثانية يقضى على وجهة النظر الأخرى بدولة واحدة تضم أصحاب الأرض والممعتدين عليهم، والنتيجة حتى لو كانت خافتة هى تعزيز مكانة فلسطين على الساحة الدولية وزيادة الضغط على إسرائيل للمشاركة فى مفاوضات جادة.
يعنى ببساطة بلغة أهل العلوم السياسية يعد الاعتراف الأوروبى بفلسطين ذا أهمية بالغة لعدة أسباب:
> الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل دول أوروبية، مثل إسبانيا، وإيرلندا، والنرويج، وفنلندا، والبرتغال وبريطانيا وفرنسا، ودول مثل كندا وإستراليا يعنى اكتساباً للشرعية الدولية بشكل كبير للدولة الفلسطينية.
صحيح هذا الاعتراف من وجهة المتشائمين لا يغير من الوضع على الأرض، ولكنه سيعزز مكانة فلسطين فى المحافل الدولية ويجعل من الصعب تجاهل حقوقها.
بلغة خبراء الدبلوماسية بدأ تغيير فى الديناميكيات السياسية، بمعنى تأثير الاعتراف الأوروبى على مواقف دول أخرى، خاصة فى الاتحاد الأوروبى، بتشجيعها على اتخاذ خطوات مماثلة، مما يُشكّل ضغطًا جماعيًا على إسرائيل من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات.
من ناحية ثانية إن تأثير هذا الاعتراف المتتالى من دول مؤثرة على الخريطة الدولية لحل الدولتين، يُنظر اليه على أنه خطوة ضرورية لحماية حل الدولتين، فمع استمرار الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، يرى الكثيرون أن الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة هو السبيل الوحيد للحفاظ على إمكانية تحقيق هذا الحل.
خاصة أذا تذكرنا وعلى سبيل المثال ان دولتين فى مجلس الأمن من أصحاب العضوية الدائمة وسلاح الفيتو قد لحقا بالصين وروسيا فى دعم قيام الدولة الفلسطينية وبالتالى تقف الولايات المتحدة وحيدة ضد هذا الاجماع الدولى حتى ولو كانت تشهر فى وجهنا جميعاً سيف الفيتو .
من جهة ثالثة يكون تأثير الاعتراف الأوروبى على حل الدولتين تأثيرًا متعدد الأبعاد من وجهة نظر الدبلوماسية الدولية فهى تشكل تزايداً للضغط على إسرائيل، ويُضعف حجج إسرائيل التى تعتبر أن القضية الفلسطينية هى مجرد نزاع محلى… ويُعزز ذلك من الرأى القائل بأن القضية هى قضية دولية تتطلب حلاً سياسيًا يعترف بالحقوق الفلسطينية، وقد يدفع إسرائيل إلى إعادة تقييم سياستها تجاه السلام، وإن كنت أشك فى توجه البلطجى والمغتصب لهذا التوجه، ومع ذلك هى خطوة فى سبيل تحقيق الحلم.
من جهة تالية يعزز هذا الاعتراف من الزخم الدبلوماسى للموقف الفلسطينى التفاوضى، فبدلاً من أن يتفاوضوا ككيان غير مُعترف به، سيُصبحون طرفًا فى مفاوضات دولية تُعترف به كدولة.
صحيح إن الاعتراف الأوروبى لا يضمن حلاً فوريًا، بل وقد يهيج الثور ويرد على هذه الخطوات بعقوبات أو إجراءات انتقامية، ولكن يكفى ان يشعر الفلسطنيون إنهم لم يعودوا بدون غطاء دولى، وصحيح أن هذا الاعتراف لا يحل قضايا الحل النهائى مثل القدس، والحدود، واللاجئين، لكن سيشعر الفلسطنيون ان قضيتهم صار لها مناصرون دوليون!!
إذا كان البعض يقلل من هذا الانتصار السياسى، أقول لهم ببساطة وبماذا تفسرون الغضب الأمريكى والإسرائيلى من هذه الدول، على أى حال يُعد الاعتراف الأوروبى بفلسطين خطوة دبلوماسية مهمة قد تُسهم فى إعادة إحياء عملية السلام، وقد تظل خطوة فى طريق طويل نحو تحقيق سلام عادل ودائم من جهة المتفائلين بالحلول الدبلوماسية، لكن من وجهة نظرى هى بداية النهاية للكيان الصهيونى.
هوامش فى المتن.
إعادة الرئيس عبدالفتاح السيسى مشروع قانون الإجراءات الجنائيية قبل التصديق عليه مرة اخرى لمجلس النواب هو انتصار لحقوق الإنسان من جهة ومن جهة ثانية استجابة من الرئيس للأراء التى انتقدت بعض مواد مشروع القانون ولم يسمع لهم نواب الشعب واستمع لهم الرئيس.
المتابع للفيس بوك وتويتر واليوتيوب وباقى المنصات الاجتماعية يلاحظ ان التعليقات واللايكات والمشاهدات بالآلاف أو بالملايين تكون لكل ما هو سطحى أو تافه أو محرض أو اباحى أو قليل الأدب، لكن البوستات والفيديوهات ذات القيمة الفكرية أو الثقافية قد لا تجد مجرد اعجاب واحد أو تعليق، وصدق من قال: «إدينى فى الهيافة ياستمونى « !!
لا تمنح الآخرين الفرصة.
لا تدع احد يحبطك أويوقف مسيرتك أو يقتل حلمك، أو أن تكون إنساناً صاحب موقف!!