يمكن وصف السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية بأنها حكاية مصرية جديدة تروى مقدما ما تحاول تحقيقه خلال الخمس سنوات القادمة، لكي تصل إلى ما تستحقه مصر من نمو وما يستحقه شعبها شعر من مستوى معيشة، سواء في الدخل أو الخدمات أو الوظائف السردية كلها أرقام مبشرة ولم تحققت ستمثل نقلة نوعية للاقتصاد المصرى وللدولة بشكل عام، لأنها تضع أهدافا محددة وتحقيقها يعنى أننا وصلنا المعدلات غير مسبوقة فى الأداء الاقتصادي.
معلوم طبعا أن التنمية ليست بالأمنيات ولا بالأرقام المقدمة، لكن يكفى أن السردية تقدم لنا نموذجا واضحا لما تريد الحكومة تحقيقه، أهداف محددة بأرقام وتسب ومواعيد والتزامات حاسمة، بما يعنى أن هناك أساسا ومرجعية موثقة يمكن محاسبة الحكومة عليها، وهذا في حد ذاته نمط جديد في التعامل الحكومي فلم تعد تتحرك الحكومة على أسس وهمية أو وعود معلقة في الهواء أو تصريحات وزراء، وإنما وفق التزامات مكتوبة ومتفق عليها.
بالتأكيد التوقع وكتابة السردية أمر سهل لكن التحدى الحقيقي هو كيف يتم التنفيذ وتحويل كل رقم إلى واقع وكل التزام إلى انجاز يشعر به ويستفيد منه المواطن، وهذا هو ما يجب أن تفعله الحكومة خلال الفترة القادمة وبعد أن ينتهى الحوار المجتمعي وإعلان النسخة النهائية من السردية، ولكن قبل أن يبدأ تنفيذ السردية يمكن أن تبنى تفاؤلنا بها على عدة أسباب:
- أولها: أن كل رقم في السردية تمت دراسته بعناية ووضعت سيناريوهات لتحقيقه وكما قالت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي فليس هناك شيء متروك للصدقة، وليس هناك هدف عشوائي لأن كل كلمة محسوبة وتمت مراجعتها مع كل الجهات التي ستساهم في تنفيذها.
- الثاني: أن السردية هي ولأول مرة نتاج إرادة دولة بمعنى أنه لم تترك وزارة أو جهة وحدها لوضع هذه الرؤية وإنما شارك الجميع في وضعها وصياغتها، وكل جهة لديها التزامات محددة ومعروفة وستحاسب عليها.
- الثالث: إن الحوار المجتمعي الذي يجرى حول السردية مفتوح لكل الفئات دون استثناء، ويشارك فيه شخصيات أصحاب فكر ومدارس اقتصادية مختلفة مما سيسهم في تقديم رؤى متنوعة ويضمن نقاشات جادة تضيف للسردية.
- الرابع: إن القطاع الخاص شريك أساسي في تحقيق المستهدف من السردية، فالأمر ليس متروكا للحكومة فقط وانما التركيز الأكبر على مستهدفات سيحققها الاستثمار الخاص سواء المصرى أو الأجنبي وفقا لتوقعات مبنية على دراسة جيدة المؤشرات الاقتصاد ومعدلات الاستثمار المباشر وغير المباشر.
- الخامس: أن السردية تم وضعها بعد عبور المرحلة الصعبة واستعادة بناء الاقتصاد وتنفيذ البنية التحتية المتطورة التي تؤهلنا لاستقبال أى حجم من الاستثمارات والمشروعات في كافة. المجالات، وبالتالي فهي رؤية على أرضية حقيقية.
- السادس: الالتزام الذي وضعته وزارة التخطيط على نفسها بإصدار تقارير ربع سنوية لرصد خطوات التقدم والنتائج التي تحققت وتفاصيل النمو والمؤشرات الاقتصادية بما يعنى أن هناك وقفة كل ثلاثة شهور للمراجعة تضمن الشفافية الكاملة في تناول كل ما يتحقق وكذا التعرف على المعوقات أو العقبات أو التراجع الذي يحدث حتى يتم التعامل.
- السابع: إن الأرقام التي تتضمنها السردية لا تحمل أي مبالغة بل تم وضعها بموضوعية شديدة ومراجعة لكل المؤشرات، فسواء ما يتعلق بمعدل النمو المتوقع 7 أو فرص العمل التي سيتم توفيرها 1.5 مليون فرصة سنويا أو غيرها من أرقام مقبولة جدا وليست فيها أي مبالغة والاقتصاد المصرى وفق ما تحقق خلال السنوات الماضية ورؤية المؤسسات الدولية له خلال الأعوام القادمة ومعدلات الاستثمار المتوقعة قادرة على إنتاج هذه الأرقام.
- الثامن: إن كل رقم تم التوافق عليه فقد أنهت السردية قصة الأرقام المتضارية بين الوزارات والجهات المختلفة فرقم الصادرات المستهدف في عام 2030 لم يعد محل خلاف بين من يتحدثون عن 1000 مليار دولار ومن يقولون 145 مليارا، وإنما تم التوافق بعد الدراسة والمراجعة الجماعية لوضع الاقتصاد المصري وتوقعات حقيقية للفترة القادمة على رقم الـ 145 مليار دولار كهدف وطني يعمل الجميع على تحقيقه. وهذا ما حدث في أرقام أخرى كثيرة كانت محل اختلاف.
- التاسع: أن واضعى السردية وهم ليسوا وزراء أو ممثلى جهات حكومية فقط بل خبراء متخصصون في مجالاتهم لم يتعاملوا بمنطق أنهم يعرفون كل شيء وإنما استمعوا لآراء القطاع الخاص وأبناء القطاعات المختلفة واستعانوا بمخططات الوزارات ورؤية 2030 واستعرضوا كل التحديات التي يمكن أن تحدث بل ووضعوا سيناريوهات لكل هدف فالسردية نتاج نقاش حقیقی، فهي ليست مجرد احلام أو توقعات مبالغ فيها، أو رؤى شخصية.
- العاشر: هو اختيار القيادة السياسية للوزيرة الواعية الدكتورة رانيا المشاط والتي تتولى مسئولية إعداد السردية والحوار حولها، فهو اختيار جيد لأنها تتمتع بقبول من الجميع، ومطلعة على كافة التجارب الدولية في النمو، كما أن عملها في أكثر من وزارة السنوات عدة داخل الحكومة جعلها مطلعة على الوضع الحقيقي ومدركة لتفصيلة كل رقم يتم النقاش حوله، كما أنها أصبحت على علم بقدرات كل جهة وما يمكن أن يضيفه كل مشارك. والأهم كيف يتم التعامل على أى نقاط خلافية وتحقيق التوافق حولها، وجود رانيا المشاط بثقافتها وخبرتها وقدرتها على طرح الأفكار ببساطة يضمن الخروج بصيغة نهائية متكاملة للسردية.
يبقى أهم الأسباب لضمان نجاح هذه السردية واكتمال الحكاية النهايتها التي تتمناها وهو أن الرئيس السيسي لا يترك مثل هذه الأمور دون مراجعة ومتابعة مستمرة بالتفاصيل والمحاسبة على أي تباطة، وهذا ما يحدث على مدار السنوات الماضية ويمثل جزءا أساسيا من نجاح مسيرة الإصلاح انه ليس هناك تهاون في تنفيذ أي هدف بل متابعة دقيقة ومراجعة لكل خطوة وتصحيح سريع لأي أخطاء لكل هذا اعتقد أن التفاؤل بالسردية الوطنية أمر طبيعي.
