100 مليون طن تبحث عن الاستغلال الأمثل وتعظيم العائد الاقتصادى
47 مصنعًا للتدوير.. تنتج وقودًا بديلًا لمصانع الأسمنت كثيفة استهلاك الطاقة
أيام تفصلنا عن موسم حرق قش الارز، وجهود مكثفة من أجهزة الدولة للسيطرة على هذه الظاهرة وتعظيم استغلال هذا القش وإعادة تدويره لتحقيق فوائد متعددة للاقتصاد القومى والمواطن نفسه، إلى جانب كميات هائلة تنتجها مصر من المخلفات الأخري.. فحسب الارقام الرسمية نجحت وزارة التنمية المحلية خلال عام فى رفع 1.4 مليون طن من التراكمات التاريخية للمخلفات مع بدء تنفيذ خطة لرفع نصف مليون طن إضافية خلال العام الحالى وبعض هذه المخلفات تتم الاستفادة الاقتصادية منها، والآخر يتم حرقه أو دفنه، ما يمثل عبئاً على البيئة.. ورغم ما تبذله الدولة من جهود واضحة، مازالت أزمة المخلفات تمثل تحدياً يومياً يواجه المواطن المصرى فى الشارع، وشكاوى المواطنين مازالت تتصدر المشهد من تراكم القمامة والحرق العشوائى للمخلفات الزراعية وضعف الجمع المنزلى وانتشار المقالب العشوائية.
يقول ياسر عبدالله رئيس جهاز تنظيم وإدارة المخلفات إن مصر تنتج سنوياً أكثر من 100 مليون طن من المخلفات، تشمل الزراعية والبنائية والبلدية، وبدأت الدولة بتوجيهات رئاسية فى بناء بنية تحتية للتدوير، فتم إنشاء 47 مصنعاً لتدوير المخلفات البلدية، تنتج وقوداً بديلاً يستخدم فى مصانع الأسمنت كثيفة الطاقة، ما يقلل الاعتماد على المازوت والوقود المستورد، إضافة إلى السماد العضوى الذى يُستغل فى مشروعات الدلتا الجديدة.
يضيف أن هناك مصانع قائمة على تدوير البلاستيك والكرتون للاستفادة من نحو 26 مليون طن من المخلفات البلدية سنوياً، بينما المخلفات الزراعية، التى تصل إلى 50 مليون طن، يتم تخصيص مواقع دائمة ومؤقتة لتجميعها منعاً للحرق أو الإلقاء فى المجارى المائية، كما بدأ القطاع الخاص فى إعادة تدوير مخلفات المبانى باستخدام كسارات لإنتاج «السن» للطرق، ما يعزز الاستفادة من الموارد ويخلق قيمة اقتصادية مضافة.
يؤكد عبدالله أن الجهاز يعمل مع وزارات الإسكان والزراعة والبترول وغيرها حسب نوع المخلفات، مشدداً على أهمية تفاعل المواطنين عبر الخطوط الساخنة، فهم الحلقة الأهم فى نجاح المنظومة باعتبارهم المستفيد الأول من خدمات النظافة وتحسين جودة الحياة فى الشوارع والمدن.
من جانبه، يرى د.المحمدى عيد مؤسس جهاز شئون البيئة وعضو مجلس الشورى الأسبق أن المنظومة الحالية مازالت تحتاج لمزيد من التنظيم ليشعر المواطن بتحسن ملموس، ويشدد على ضرورة الفصل من المنبع عبر توزيع أكياس بلاستيكية مختلفة الألوان للمخلفات الصلبة والعضوية، مع عودة الجمع المنزلى كما كان يحدث فى الماضي.
يحذر عيد من خطورة «النباشين» الذين يفرزون القمامة ويتركون البقايا العضوية فى الشوارع، معتبراً أن المخلفات «كنز اقتصادى» يمكن أن يدر مليارات إذا استُغل بالشكل الأمثل، ويشير إلى تجربة ألمانية ناجحة طبقتها مصر فى التسعينيات بمنطقتى الزمالك والمنيل، حيث تولت جهة محددة مسئولية النظافة مقابل رسوم بسيطة، مطالباً بعودتها، كما دعا إلى إحياء مشروعات الشباب الصغيرة فى جمع القمامة، التى حققت نجاحاً فى التسعينيات وبداية الألفية مقابل 5 جنيهات، باعتبارها فرصة عمل ومصدراً لتحسين مستوى النظافة.
أما د.نهى دنيا عميدة كلية الدراسات والعلوم البيئية بجامعة عين شمس، فترى أن مسئولية ملف المخلفات موزعة بين مستويات عدة، الإدارة المحلية تتحمل العبء الأكبر بحكم مسئوليتها المباشرة عن الجمع والنقل اليومى، بينما تضطلع وزارة البيئة بدور التخطيط ورسم السياسات ومتابعة المخلفات الخطرة والتنسيق مع الوزارات.
توضح أن هذا التداخل خلق إشكالية مزدوجة، قصور محلى فى التنفيذ، وتباطؤ فى استكمال البنية التشريعية والرقابية.. وتبرز أوجه القصور فى نقص المعدات، وضعف العمالة، والرقابة الداخلية، ما يؤدى إلى تراكم القمامة وتشويه المظهر الحضاري.. أما وزارة البيئة فتواجه تحديات مرتبطة ببطء استكمال المشروعات الكبرى كالمحطات الوسيطة والمدافن الصحية، إضافة إلى محدودية المتابعة الميدانية مقارنة باتساع المشكلة، وهو ما يخلق تفاوتاً فى الأداء بين محافظة وأخري.
تشدد د.نهى على أن المواطن هو الأكثر تأثراً، لكنه أيضا جزء من تفاقم الأزمة عبر سلوكيات فردية مثل الإلقاء العشوائى أو الحرق الزراعي.. وترى أن ضعف الوعى البيئى وعدم الالتزام بالقوانين يضاعف أعباء الدولة وتكلفة الإدارة، بينما المشاركة المجتمعية فى الفرز من المنبع ومبادرات التدوير يمكن أن تصنع فارقاً ملموساً إذا لاقت دعماً مؤسسياً وخدمات مناسبة.