نقولها ونؤكدها للمرة الألف والمليون، إن الحرب على غزة أمريكية قبل أن تكون إسرائيلية، ولم تعد أهدافها سرية ولا خفية، إنما ظاهرة واضحة معلنة بكل بجاحة وغطرسة وجبروت، خطط شيطانية يتم تنفيذها بالقتل والإبادة والتجويع والتعذيب، يستقوون على شعب أعزل اغتصبوا أرضه، وشردوا شعبه، وعلى مدى عقود يجربون فيه الأسلحة الفتاكة، وأخيرا يريدون أن يستأصلوه من الوجود، بوسائل وحشية.
ولم أكن اتحامل على الأمريكان ولا أقول كلاما مرسلا، فبجانب ما يشهده العالم من تلك المجازر والحرب الجائرة، اعتمد دائما على ما يصدر منهم وتصرفاتهم المعلنة، فها هو صحفى يهودى بريطانى يسأل ترامب: أنت الوحيد القادر على وقف نتنياهو عن تدمير مدينة غزة وقتل الناس وتجويعهم، إذا لم تفعل ذلك الآن متى ستفعل ذلك؟، فأجاب ترامب: «هل تفهم ماذا حصل فى السابع من أكتوبر؟، لا يجب عليك أن تنسى ذلك، لقد شاهدت أطفالا قد قطعوا، لقد كان من أفظع الأيام فى تاريخ العالم، الناس ينسون ما حدث فى ذلك اليوم، لكن أنا لا أستطيع نسيانه».!!!
بالطبع الإجابة واضحة بما تحمل من مغالطات وتعتمد على معلومات ثبت أنها مكذوبة ومضللة للرأى العام العالمى وترامب أول من يعلم ذلك وأنه على يقين أن هذه المعلومات كذب وبهتان محض، ويردد ما قالته الأبواق العبرية فى بداية الأحداث لتستعطف العالم، وبعد كسب التأييد الدولى ثبت أنها غير صحيحة بالمرة، لكن ترامب يعود إليها ليبرر المذابح التى تقع كل لحظة ويؤيدها ويدعمها، وقد أخذته العزة بالإثم، ولا يهتم بمعاناة الشعب الفلسطينى التى لا تتحملها الجبال الرواسى.
ويبالغ الرئيس الأمريكى فى تشدده، وقال للصحفيين فى البيت الأبيض «إن أحداث 7 أكتوبر 2023 كانت إبادة جماعية على أعلى مستوى، جريمة قتل، يمكنكم تسميتها ما شئتم».
ويتجاهل ترامب تقرير التحقيق المستقل الأخير للأمم المتحدة، والذى خلص إلى أن إسرائيل «ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين فى غزة، وأن كبار قادتها حرضوا على الإبادة الجماعية»، ليس فقط ليثبت ترامب أن الولايات المتحدة تكيل بمكيالين، بل تقلب الحقائق الثابتة وتزورها وتحول مجرها إلى الوضع المعكوس.
ليس هذا فقط، بل زادت الإدارة الأمريكية الطين بلة، وواصلت ممارسة التعسف والقهر ضد الأبرياء والأطفال والنساء، وعرقلت صدور قرار عن مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار فى غزة وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، رغم موافقة 14 من 15 دولة أعضاء فى المجلس، واستخدمت «الفيتو» لتحمى الكيان الصهيونى المحتل، وليواصل جرائمه بأمان، مما أثار حالة من السخط بين غالبية الدول الأعضاء ودفع دبلوماسيين إلى انتقاد عجز المجلس عن حماية المدنيين الفلسطينيين.
ووصف مشاركون ومندوبون فى مجلس الأمن والأمم المتحدة هذا الوضع بأنه «لحظة قاتمة»، وأن العالم يقف متفرجا فى حين أن بكاء الأطفال وقلق الأمهات كان يفترض أن يحرك الضمائر، وقالوا «سامحونا لأن هذا المجلس لم يتمكن من إنقاذ أطفالكم»، وهذه واحدة من عشرات المرات التى يكون الفيتو فيها وسيلة لإنقاذ الصهاينة.
ومن المؤكد أن كل المشاهد الدموية التى نقلت الشاشات بعضا من فظائعها، ومشاهد التجويع والتهجير الداخلى لسكان غزة قبل أن تستريح جنوبهم من معاناة إلى أخرى، لم تكن مقنعة لترامب ليعترف بمشاركته وإدارته لهذه الحرب، لدرجة أن عشرات الآلاف من الأمريكيين أنفسهم أصبحوا لا يحملونه فقط المسئولية عما يحدث، بل يتهمونه بأنه مجرم حرب يجب محاكته عليها، فهذا الطفل الذى تابعه العالم كله ولم يبلغ السابعة من عمره بعد، يحمل أخته الرضيعة ويهرول بها فى طريق وعر وهما يصرخان هلعا ويسيران إلى المجهول، مشهد يخلع القلوب ويهز الضمائر الحية إن كانت هناك فى العالم ضمائر مازالت حية، أو مشاعر لها علاقة بالإنسانية.
والنتن ياهو لا يكتفى بحرب إبادة فى غزة، ويحاول بشتى السبل إشعال المنطقة برمتها، ويطيح جيش الاعتداء العبرى بآلته العسكرية فيمن حوله، بترخيص وكارت أخضر من الوالى الأمريكى.
