أكد السفير الفرنسي لدى مصر، إيريك شوفالييه، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العريش في شهر أبريل الماضي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، لعبت دورًا هامًا في تشكيل قناعة الرئيس ماكرون للوصول إلى القرار التاريخي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذي سيتم مساء اليوم في نيويورك.
وسلط شوفالييه الضوء -في لقاء مع عدد محدود من المحررين الدبلوماسيين اليوم الاثنين- على إعلان ماكرون في أبريل الماضي بخصوص الاعتراف بدولة فلسطين، والذي جرى بين ليلة الثامن وصبيحة التاسع من أبريل خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر. وذكَّر بأن إعلان اعتزام باريس الاعتراف بالدولة الفلسطينية تم خلال التصريحات التي أدلى بها الرئيس ماكرون للصحفيين على متن طائرته أثناء عودته من القاهرة.
وأشار السفير الفرنسي إلى أن الرئيس ماكرون زار العريش في الثامن من أبريل، حيث قام بزيارة الجرحى والمصابين من الفلسطينيين، كما شاهد الكميات الكبيرة من المساعدات الإنسانية المكدسة، واطلع على عمل الهلال الأحمر المصري.
وأوضح السفير الفرنسي أن اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية اليوم، والذي سيعلنه الرئيس ماكرون من نيويورك، يعد “تاريخيًا”. وأضاف أن الليلة ستشهد أيضًا عقد اجتماع في إطار الأمم المتحدة مع مختلف الشركاء لبحث تنفيذ حل الدولتين، وسيعقد برئاسة فرنسا والمملكة العربية السعودية على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وستشارك به مصر.
ولفت إلى أن قرار اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية يأتي في نهاية طريق طويل خاضته فرنسا وصولًا للاعتراف، مبرزًا التصريحات التي قام بها في عام 1967 الجنرال شارل ديجول، ثم الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، والرئيس الأسبق جاك شيراك. وأضاف شوفالييه أن الرئيس ماكرون سيقوم مساء اليوم بهذه الخطوة الرئيسية والهامة والتاريخية.
وقال السفير الفرنسي إن بلاده ليست الدولة الوحيدة التي تعترف بدولة فلسطين، حيث أعلنت أربع دول أمس اعترافها بالدولة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن عددًا من الدول، من بينها أوروبية، إلى جانب فرنسا، ستقوم بالاعتراف بدولة فلسطين اليوم.
وأوضح أنه منذ الأمس وحتى اليوم، هناك حوالي 10 دول اعترفت بالدولة الفلسطينية، وهو ما يأتي في سياق الحراك الذي قامت به فرنسا التي أرادت أن تكون هناك دول أخرى لخلق ديناميكية لصالح الاعتراف بدولة فلسطين.
وأكد السفير إيريك شوفالييه أن الاعتراف من جانب فرنسا وبلدان أخرى بالدولة الفلسطينية هو قرار تاريخي، ويأتي في سياق احترام حقوق الشعوب وكرامة الفلسطينيين. وشدد على أهمية وجود خطة عامة للسلام في المنطقة، مشيرًا إلى أن فرنسا تدعو إلى وقف القتال وإطلاق النار وتحرير الرهائن واستئناف نفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بدون عوائق.
وأبرز السفير الفرنسي بالقاهرة الجهود التي قامت بها فرنسا مع المملكة العربية السعودية للحشد على الساحة الدولية فيما يتعلق بتنفيذ حل الدولتين. ولفت إلى أن هذا الجهد الفرنسي استمر عدة شهور، ولا سيما خلال المؤتمر الذي عُقد في يوليو الماضي على مستوى وزراء الخارجية، وهو ما تمخض عنه إعلان يرسُم الخطوات لتنفيذ حل الدولتين، وهو الإعلان الذي أقرته 142 دولة.
وأضاف شوفالييه أن اجتماع اليوم سيشهد المزيد من الجهد، وكل هذه الأمور تشير إلى الجهود التي قامت بها فرنسا لاتخاذ إجراءات ملموسة تؤدي في نهاية المطاف إلى حل الدولتين. وأوضح أن خارطة الطريق التي رسمتها باريس تهدف إلى الوصول إلى حل الدولتين، مشيرًا إلى أن هذه الخطة تتناول التزامات اتخذها الرئيس الفلسطيني في خطاب رسمي وجهه، ويتضمن التزامات وخطوات هامة. ولفت إلى أن هذه الخطة تتضمن عدم مشاركة حماس ونزع سلاحها.
وردًا على سؤال حول التصريحات الصادرة من واشنطن والتي وصفت إعلان عدد من البلدان، ومن بينها فرنسا، بأنه “استعراضي”، أكد شوفالييه أننا أخذنا علمًا برد فعل السلطات الأمريكية في هذا الصدد، وما نؤكده هو أننا دول ذات سيادة ونتخذ قراراتنا. وأضاف أن الحوار مع واشنطن هام للغاية، ونرى أنه من الأهمية بمكان أن الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وفرنسا تواصل الحوار مع واشنطن لتوصيل وجهة نظرها حول الطريق الوحيد لإقامة السلام، وهو حل الدولتين.
وقال إنه من المهم مواصلة الحوار مع الإدارة الأمريكية للتركيز على الخطر الكبير الذي قد يمثله النزوح القسري للفلسطينيين، لما يمثله من تهديد للاستقرار في المنطقة والعالم والمصالح، بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة. وشدد على أن النزوح القسري يمثل تهديدًا للاستقرار على الساحة الدولية، وفي هذا السياق فإن الحوار واتساق وتبادل وجهات النظر بين الدول العربية والأوروبية، وما هو أبعد من ذلك، مهم ليكون هناك صوت واحد والتوصل إلى مشروع واحد يتبناه الجميع. وأوضح أنه في هذا الإطار جرت محادثة هاتفية بين الرئيسين ماكرون والسيسي قبل يومين.
وردًا على سؤال حول استخدام واشنطن لحق الفيتو لعدم تمرير أي قرار يخص الفلسطينيين، قال إنه لا يجب التراجع أبدًا، ونحن نرى المشكلات بحجمها ونتحلى بالفطنة والرؤية الكافية للتعرف على هذه الصعوبات.
وشدد على أن بلاده على دراية تامة بأن حل الدولتين يتعرض لخطر كبير، ولدينا رؤية ثاقبة، والعوائق واضحة أمام أعيننا، ولا سيما الإجراءات التي تتخذها يوميًا السلطات الإسرائيلية والتي تمثل خطرًا كبيرًا على حل الدولتين في غزة والضفة الغربية والقدس. ولفت إلى أن بلاده على علم بالمواقف الأمريكية، ونرى أن الولايات المتحدة بالتعاون مع مصر وقطر تبذل جهودًا فيما يتعلق بالمفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق النار. وأضاف أننا نقيم بوضوح إلى أي مدى يتعرض حل الدولتين للخطر، وهذا هو ما دفع الرئيس الفرنسي بالتعاون مع الرياض للانطلاق في هذه الديناميكية لكي لا نستسلم للأمر الواقع.
وردًا على أسئلة الصحفيين، شدد على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والوقف الفوري لإطلاق النار في غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى القطاع وتحرير الرهائن، ثم خطة لليوم التالي ما بعد وقف إطلاق النار، هي أمور مهمة للغاية، ولا بد أن نعمل بصددها جميعًا لإحلال السلام المستقبلي في المنطقة.
وأكد السفير أن بلاده تعتبر مصر شريكًا رئيسيًا لا غنى عنه.
