منذ أيام قدم لي الزملاء في ديسك الجمهورية خبرًا عن جراحة كبيرة في إحدى مستشفيات التأمين الصحى الشامل بالصعيد لاستئصال ورم بالمخ، وكانت التكلفة التي تحملها المريض 480 جنيهًا، فطلبت أن يكون العنوان استئصال ورم فى المخ بـ480 جنيهًا، وبعد نقاش شرحت وجهة نظرى للزملاء وقلت إن هذا الرقم هو أفضل دعاية وترجمة لأهمية وقيمة منظومة التأمين الصحى الشامل، أن مواطنًا يجرى جراحة تكلفتها تصل حوالي 700 ألف جنيه ولا يدفع سوى 480 جنيهًا فقط وهذا هو حق المواطن في العلاج دون تمييز اقتنع الزملاء بما قلت، ونشر الخبر الذى تحدثت عنه مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء فاستخدمه أيضًا كدليل على ما تقدمه الدولة من دعم طبي للمواطنين، حيث أجريت نحو 2.8 مليون جراحة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار وأغلبها زرع كبد أو كلى أو قلب مفتوح أو أورام وتكلفتها بمئات الآلاف ولم يدفع المريض سوى 300 أو 500 جنيه على أقصى تقدير.

الشاهد هنا أنه ليس هناك أفضل من لغة الأرقام التي يلمسها المواطن بنفسه حتى تظهر أهمية ما تم من إنجازات خلال السنوات الماضية في ملفات كثيرة.
المواطن المصرى عاشق لبلده ومؤمن بما يجرى من بناء وجهد ضخم. لكنه دائما يحتاج من الحكومة خطاباً مباشرًا يشعر فيه بالخصوصية ومن خلال الأرقام البسيطة يمكن أن يعرف كل مواطن ما تحقق في بلده ويدرك حجم التغيير وليس مطلوبا بالضرورة أن نتحدث مع المواطن عن الأرقام المعقدة مثل حجم الفائض في الموازنة وأرقام التبادل التجارى والصادرات ومعدلات النمو وغيرها، فهذه أرقام مهمة لكنها للخبراء والمتخصصين ليقيسوا بها مستوى النجاح والتقدم الذي يتحقق.
أما المواطن فيكفي أن نتحدث معه بالأرقام السهلة التي يفهمها الجميع، مثل أن نقول إن 300 ألف أسرة انتقلوا من سكن المناطق العشوائية الخطرة إلى سكن لائق وكريم وبعد أن كانوا مهددين بالموت كل لحظة أصبحوا أمنين.
أو نتحدث معه عن أن الدولة رغم كل التحديات نجحت من خلال النشاط الاقتصادى فى أن توفر سنويا ما يقرب من مليون فرصة عمل لتستوعب المنضمين جديدا للسوق ويجد أبناؤه فرصة عمل لائقة.
يكفى أن نترجم الاستثمارات الجديدة سواء المباشرة أو غير المباشرة إلى أرقام عما ستوفره هذه الاستثمارات من فرص عمل ودخل لآلاف من المواطنين وكذلك ما توفره من العملة الصعبة أو فرص تشغيل، فالنجاح في مشروع البحر الأحمر السياحي مثلا ليس فقط الـ 20 مليار دولار التي سيتم ضخها، وإنما أيضا في الـ 170 ألف فرصة عمل التي سيوفرها، ومليارات الدولارات التي ستدخل خزانة الدولة من عائدات السياحة المنتظرة والتي ستسهم في تحسين مستوى ما تقدمه الدولة من خدمات عندما نتحدث عن خطة عودة نحو 11 ألف مصنع متعثر إلى العمل، فالارقام التي تترجم أهمية ذلك للمواطن هي ما ستضيفه هذه المصانع من منتجات تسهم في الاكتفاء الذاتي من الصناعة الوطنية وما يعنيه هذا من توفير للسلع وأسعار أرخص للمواطن بجانب عودة العاملين بهذه المصانع للعمل.
وفي السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية لن يهتم المواطن البسيط بالمسميات ولا الأهداف العريضة على أهميتها، وإنما سيقف عند ما يهمه هو شخصيا مثل وانها تتضمن توفير 1.5 مليون فرصة عمل سنويا، وأنها ستزيد الصادرات إلى 145 مليار دولار سنويا، وأنها ستضيف ملايين الأفدنة إلى الرقعة الزراعية، وستزيد الاستثمارات المباشرة التي تعنى أبواب رزق لمئات الآلاف من المواطنين.
في المبادرات الصحية هناك على الأقل 20 رقما يلمسهم المواطن بشكل مباشر سواء عدد من استفادوا من مكافحة فيروس سي أو من مبادرة 100 مليون صحة أو من مبادرة القضاء على قوائم الانتظار أو أسرة الرعاية التي تمت إضافتها لإنقاذ المرضي.
هذه نماذج للأرقام التي يحتاج المواطن أن يسمعها من الحكومة، والأهم طبعاً أن يسمع أرقاماً تخص انخفاض الأسعار في سوق السلع على اختلافها.
هذا هو ما يفعله رئيس الوزراء فى مؤتمراته الصحفية ولجأ إليه خلال جلسته مع رؤساء تحرير الصحف والمواقع، الأسبوع الماضي، استخدم د. مدبولى الأرقام، وهو من الشخصيات التي لديها ذاكرة الأرقام والقدرة على توظيفها بشكل جيد، ولذلك دائما لديه القدرة على سرد ما يحدث على أرض الواقع بالأرقام المعبرة.
الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد أن هذه الحكومة كامتداد لحكومتين سابقتين، قادهما المهندس إبراهيم محلب والراحل شريف إسماعيل حققوا تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى إنجازات كبيرة تستحق أن يتم تقديمها مرات وشرح أهميتها والحقيقة في كل قطاع هناك منجزات حقيقية، سواء تطوير في الخدمات أو البنية التحتية أو المشروعات القومية المختلفة، ولولا الأحداث الضخمة التي شهدها العالم والمنطقة لكان الوضع أفضل كثيراً والنتائج أكبر، نتحدث عن فيرس كورونا المدمر، والحرب الروسية – الأوكرانية وتأثيرها على سلاسل الامداد وأسعار الطاقة، ونتحدث عن الحرب الإسرائيلية على غزة وما تعنيه من اضطراب في المنطقة، وتدفع مصر ثمناً باهظاً لكل هذه الأحداث سواء من أسعار السلع التي نستورد منها نحو 80 %، أو دخل قناة السويس الذي تأثر كثيراً وفقد أكثر من 8 مليارات دولار خلال عام واحد، أو توفير العملة الصعبة نفسها، وهذا كان أخطر ملف واجه الدولة خلال السنوات الماضية، نقص العملة الصعبة التي يحتاجها المستوردون والنتيجة تراجع عنيف للجنيه ارتفعت معه أسعار كل شيء.
والحقيقة أنه رغم كل هذه التحديات بجانب التحدى الأخطر وهو التهديدات التي تواجه الأمن القومى المصرى من كل اتجاه، استطاعت الدولة أن تعمل وتخترق ملفات صعبة كثيرة وتحقق نتائج إيجابية في أغلبها، بل وتستعيد قدراتها الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوفر خدمات ورعاية جيدة للمواطن بالتأكيد لم تصل إلى ما نتمناه لكن المهم أن هناك تطوراً مستمراً وصموداً في مواجهة أزمات طاحنة وتداعيات كان من الصعب أن نتعامل معها لولا الإصلاح الذي تم الأرقام نفسها تقول بوضوح إننا رغم المحن الصعبة التي تعرضنا لها نسير بخطوات جيدة يشهد لها العالم والمؤسسات الدولية.
وعندما نراجع عدداً من الأرقام مما تحقق وأكدته المؤسسات الدولية سنجد أن هناك نجاحاً فعليا وانجازات تستحق أن نتحدث عنها، والمواطن نفسه يلمسها ويشعر بها ويستفيد منها ولذلك سيتقبلها ويتفاعل معًا.
- أولها: نسبة البطالة التي كانت قبل عشر سنوات تقترب من 14% وتراجعت الآن إلى نحو 6.2% وهذا يعكس أن الاقتصاد يعمل بقوة.
- ثانيها: الطرق التي امتدت لنحو 7 آلاف كيلو متر جديدة بطول البلاد وعرضها وفتحت محاور وشرايين تنمية ووفرت للمواطن وقتا وتكلفة في كل تحركاته.
- ثالثها: الإسكان الاجتماعي الذي وفر حتى الآن ما يزيد على مليون وحدة سكنية بمستويات مختلفة تناسب كل الفئات بكافة المحافظات.
- رابعها: أن 90 بالمائة من المصريين استفادوا من مبادرات الصحة الـ 15 المختلفة وأبرزها 100 مليون صحة ومكافحة فيروس «سي» وقوائم الانتظار.
- خامسها: أن الاحتياطي النقدى اقترب من 50 مليار دولار في قفزة تاريخية غير مسبوقة مما يعنى تأمين احتياجات الدولة الأساسية لما يقرب من 8 شهور.
- سادسها: أن احتياجات الدولة من الطاقة مؤمنة لـ 5 سنوات قادمة بما يؤكد عدم وجود أزمات سواء في الاستهلاك أو المصانع ومتطلبات التنمية.
- سابعها: الزيادة الواضحة فى الصادرات والتي تقول إن إنتاجنا يزيد وأننا نوفر مصدراً جيداً للعملة الصعبة.
- ثامنها: الزيادة الكبيرة فى معدلات السياحة والتي تعنى أيضا الأمن والأمان والاستقرار وعودة مئات الآلاف من العمالة في القطاع السياحي.
- تاسعها: تحويلات المصريين بالخارج والتي وصلت إلى رقم قياسي بنحو 36 مليار دولار وهو ما يؤكد نجاح الإصلاح المالي.
- عاشرها: أن كثافة الفصول فى المدارس انخفضت لتصبحفي حدود 50 طالباً على الأكثر ولأول مرة في تاريخ مصر.. بما يعنى بداية طريق لتعليم جيد.
- حادي عشر: الزيادة التي تحققت في الحد الأدنى للأجور والتي وصلت إلى 7000 جنيه والزيادة كذلك فى المعاشات والتي قفزت بشكل غير مسبوق واستفاد منها نحو 11 مليون مواطن.
- ثاني عشر: أن 7 ملايين أسرة يستفيدون الآن من برنامج «تكافل وكرامة» بما يعادل 28 مليون مواطن على الأقل.
- ثالث عشر: التأمين الصحى الشامل الذي يوفر مستوى علاج دون تمييز لكل المصريين ومخطط أن يستفيد منه ربع المصريين خلال العام القادم ويصل إلى كل المحافظات بنهاية 2030 ويوفر العلاج للجميع بنفس المستوي.
- رابع عشر: المعارض التي تقدم كافة السلع بأسعار تناسب الفئات الأكثر احتياجاً سواء أسواق اليوم الواحد أو أهلا رمضان وأهلا مدارس ومبادرة كلنا واحد التي أصبحت جزءاً مهما في تحقيق التوازن بالأسواق.
- خامس عشر: المدن الـ 14 الجديدة التي فتحت أبواباً للرزق وخلقت مساحات من السكن والعمران والتنمية، ووفرت سكنا لمختلف الفئات.
- سادس عشر: الـ 2.5 مليون فدان التي أضيفت للرقعة الزراعية وساهمت في توفير السلع الغذائية للمصريين بل واقتربنا من الاكتفاء الذاتي في بعضها.
كل هذه بعض من كل الأرقام التي تحققت خلال السنوات العشر الماضية ويلمسها المواطن بشكل مباشر وهناك مثلها عشرات الأرقام، وكان يمكن أن تكون أكثر لولا الأحداث العالمية والإقليمية.
الحديث بهذه اللغة وأنسنة هذه الأرقام من خلال ترجمتها إلى حكايات مواطنين ستكشف حجم ما تحقق وكيف أن المواطن استفاد كل حسب احتياجه وما يخصه هناك من استفاد من الاسكان الاجتماعي ومن نال علاجا ضمن المبادرات الصحية، ومن ودع البطالة ووجد فرصة عمل.. وهكذا الحقيقة اننا نجلد انفسنا كثيراً ونقسو في تعاملنا مع بلدنا، خاصة أن بيننا من احترفوا التشكيك في كل شيء ويحاولون أن يفرضوا علينا صورة قائمة ويتجاهلوا عمدا كل ما يتحقق من مشروعات وأرقام ونجاحات في مصر، وللأسف البعض يسير خلفهم مخدوعا بما يقدمونه من معلومات كاذبة.
ولهذا فالأرقام الحقيقية التي تكشف الواقع الفعلي والعملي هي التي يجب أن تتصدر طرحا وشرحا کی نرد على هؤلاء وتؤكد ما تحقق في بلدنا من تطور لم نكن نتوقعه، فما كان يحتاج جهد وعمل خمسين عاماً تم إنجازه في سنوات معدودة بفضل الإرادة السياسية والرغبة في الاصلاح والغريب أن العالم كله يشهد بذلك بينما بعض المصريين يتعامون عنه عمداً.
نحن نحتاج إلى التأكيد والتذكير دوما بأرقامنا المحققة في كل مجال لا يجب أن نخجل من تكرارها بدلاً من المرة ألف مرة لأن هذا حق المواطن بشرط أن نتحدث بلغته التي يفهمها ويلمسها، كما اننا علينا أن نتحدث كثيرا عن التطور السياسي الذي تشهده مصر من أول ملف حقوق الإنسان الذي أصبح قاب قوسين من أن يصبح نموذجا دوليا.
بعد تنفيذ الاستراتيجية المصرية الوطنية لحقوق الانسان والتي تضمنت بنودا غير مسبوقة الزمت الدولة نفسها بها، والانفتاح السياسي الذي تشهده البلاد.
وكذلك قوائم العفو الرئاسية التي منحت الحرية لعشرات الآلاف من المساجين وتعديلات قانون الجمعيات الأهلية، وتطوير السجون وفق فلسفة عقابية حديثة تقدم التأهيل والاصلاح على العقاب.
نحن أمام بلد يتقدم وينجز في كافة الملفات والقطاعات، لكن المهم هو أن نكون واثقين من دولتنا ولا تستمع للمشوهين والمشبوهين وأصحاب الاجندات، بل تستمع وبثقة إلى قيادتنا وحكومتنا، وأن يكف بعض المسئولين عن الصمت الرهيب ويتعلموا كيف يتحدثون إلى الناس ويشرحون ما يتحقق على أرض الواقع المسئول الذي لا يجيد الحديث ومخاطبة الناس بما يتم انجازه هو مسئول يفتقد أهم مقومات منصبه وعليه أن يغادر لأنه يضيع جهد دولة كاملة، وما أكثر من لا يجيدون الحديث.
- ختامًا.. لا نقول إننا وصلنا إلى ما نريد ونتمني، فالمشوار مازال طويلا والجهد يحتاج المضاعفته والمشاكل كثيرة وتحتاج لجهد مضاعف والمواطن لا يزال ينتظر الأفضل ليشعر ويلمس بالتنمية التي تحققت، لكن ولا يمكن أيضا أن ننكر التطور والتقدم الكبير الذي تشهده بلادنا، رغم التحديات بل علينا أن نفتخر به، لأنه بكل المقاييس إنجاز غير مسبوق وبناء جديد.