لم تعد القراءة بالنسبة للأجيال الجديدة عادة يومية أو وسيلة أساسية للمعرفة، بل تحولت فى نظر كثير من الشباب إلى شيء غريب، وكأن الورق والكتب مجرد أدوات من الماضى لا يلتفت إليها أحد. فبينما كانت الأجيال السابقة تجد متعة حقيقية فى اكتشاف المعلومة عبر صفحات الكتب والصحف، باتت الأجيال الحالية تركض خلف سيل من الفيديوهات والمحتوى السريع على منصات التواصل الاجتماعي، التى تقدم المتعة العابرة وتخفى وراءها فراغًا معرفيًا كبيرًا.
إن الشباب أصبح أسيرًا لمقاطع فيديو قصيرة يسعى أصحابها إلى جذب الانتباه بكل وسائل الإبهار والعبارات المثيرة، لا بهدف نشر المعرفة بل لتحقيق عدد أكبر من المشاهدات ومن ثم جنى الأرباح. وهكذا يجد الشباب نفسه ينتقل من فيديو إلى آخر، يستهلك وقته وجهده دون أن يحصل على معلومة حقيقية أو قيمة معرفية تذكر، ليخرج فى النهاية بلا شيء فى دومة ومتاهة كأنها نفق مظلم لا يعرف من اين وكيف يخرج منها.
المفارقة أن المجتمعات التى صدّرت إلينا هذه المنصات والسوشيال ميديا وهذه البرامج هى نفسها الأعلى فى نسب قراءة الكتب والصحف، لأنها تدرك جيدًا أن بناء العقول مهمة الكبار والمتخصصين، و لكن فى التواصل الاجتماعى عندنا أصبحت هذه المهمة حكرًا على كل من يرفع صوته أو يظهر على الشاشة» وخلع برقع الحياء». التجربة أثبتت أنه ليس كل من صعد للحديث أو نشر مقطعًا مصورًا يستطيع أن يبنى فكرًا أو يصنع وعيًا، قد يكون مجرد محتال يجد رصد الكلام يبدد عقول الأجيال.
بناء الأجيال ليس مهمة عابرة أو سهلة، وإنما هو عملية صعبة تحتاج إلى جهد منظم ورؤية واضحة. فإذا أردنا أن نبنى أمة قوية، فعلينا أن نبدأ من عقول الشباب. وإذا أراد عدو أن يهدم أمة، فلن يجد أنجح من تدمير وعى شبابها. لذلك، فإن العودة إلى القراءة تمثل خطوة أساسية لاستعادة العقول، فهى الطريق الأضمن لبناء وعى نقدى راسخ، بعيدًا عن الزيف والسطحية.
لابد من استخدام لغة وأدوات وأساليب حديثة تُحبّب الشباب فى القراءة مرة أخري، عبر مبادرات مبتكرة ومسابقات تحفيزية، وإعادة الاعتبار للكتاب كرمز للمعرفة. كما أن دمج القراءة فى المناهج الدراسية والأنشطة الشبابية قد يسهم فى إعادة ترسيخها عادةً يومية، ويمنح الأجيال الجديدة سلاحًا حقيقيًا فى مواجهة طوفان متاهة السوشيال ميديا يجب ان نحرص على تكثيف البرامج التى تعتمد على القراءة وإبراز أهم الكتب التى تشجع على الانتماء وبناء المجتمع والترويج للكتب التى تنمى الذهن والوعي.. الطريق ليس طويلاً أو صعباً ولكن يحتاج الى همة وبداية تحقق الانطلاق.