عندما عرض فيلم «أسلحة نا فارو ن» عرفه الجمهور المصرى باسم «نضال الأبطال» وتحول إلى حديث الشارع فى عام 1961.. لكن ما أذكره جيداً أن أحد جيراننا الكبار أكد لنا نحن الأطفال الذين بهرنا حديثه عن الفيلم أن أحد أبطال الفيلم أصله مصرى واسمه حسن عزت، ووقتها صدقت كلام العجوز وظل الاسم عالقاً فى ذهنى لأنه ربط بين أنتونى كوين أحد أبطال الفيلم وحسن عزت الذى لم أكن سمعت عنه من قبل، ولما دارت عجلة العمر كما تدور ماكينة عرض الأفلام، وبدأنا نعرف الكثير عن السينما ونعمل فيها بعد ذلك، تبين أن مقولة العجوز لم تكن إلا أسطورة صنعها الجمهور حباً لممثل عشق السينما شاباً ورأى أن أمريكا هى الملاذ باعتبارها قلعة هذه الصناعة، وكان قد حصل على الثانوية من الإسكندرية محل ميلاده، وكان عمره وقتها لم يصل إلى العشرين، وكان يعرف مقدماً بأنه كعربى لن يجد بلاد العم سام تفتح له ذراعيها، لكنه كافح وذاق الأمرين حتى دخل استديوهات هوليوود واشترك فى أكثر من عمل، لكنها لم تكن الأدوار التى تصنع نجماً، لذلك جاء إلى مصر سعياً عندما جرى ترشيحه لبطولة فيلم «لاشين» ولعبت الأقدار لعبتها لصالحه عندما اصطدم الفيلم برقابة وزارة الداخلية، وكانت هى المسئولة عن السينما فى هذا الوقت، وتم منع الفيلم بعد عرضه لأنه يلمح إلى فساد الملك والحاشية الموجودة حوله، وقام مخرج الفيلم الذى عرض لأول ولآخر مرة فى مارس 1938 وكان عزت يلعب دور قائد الجيش الوطنى المخلص الذى يتمرد على جبروت الملك والحاشية حتى قالوا إنه الفيلم الذى تنبأ بثورة 23 يوليو، وهو رأى منطقى جداً يتفق مع أحداث الفيلم، وقد جاء فى المقدمة أنها تعود إلى القرن 12 لكنها الأيام تدور، وقد لعب حسين رياض دور الملك الفاسد، أما عن ترشيح حسن عزت للبطولة، فالرأى الغالب والصحيح أنه جرى عن طريق الفنان والإعلامى الطيار أحمد سالم الذى تولى إدارة استديو مصر الذى أسسه طلعت حرب، والعجيب أن مخرج الفيلم ألمانى ولكنه أخرج لأم كلثوم فيلم «وداد»، والقصة لكاتب ألمانى هو فون ماين والسيناريو اشترك فيه ستفين هاوس مع أحمد بدرخان، أما الحوار فكتبه الشاعر الكبير أحمد رامى، وكان قد شارك أيضا فى كتابة حوار فيلم «وداد»، وكما اختفى فيلم «لاشين»، اختفى أيضا مخرجه الألمانى وأغلب من كتبوا عن حسن عزت بطل الفيلم قالوا إنه اختفى أيضا بعد الفيلم وعاد إلى أمريكا من حيث جاء.. والمعلومة غير صحيحة بالمرة، لأن حسن ظهر فى أحد الأدوار الثانوية فى فيلم «خلف الحبايب» الذى لعب بطولته المحلى أنور وجدى مع عقيلة راتب وعباس فارس واسماعيل ياسين، ولم يجدوا صورة واحدة لعزت إلا ما ظهر بها فى فيلم «لاشين».
رقم 22
ستقرأ على أفيش فيلم «لاشين» بالخط العريض أنه أضخم الأفلام وأقواها، ولا غرابة فى ذلك.. فقد توفر له من أعداد الكومبارس ما لم يتوفر لغيره، مع ملاحظة أن السينما الناطقة كان عمرها لا يتجاوز ٦ سنوات فقط، وقد حمل رقم «22» فى الاستفتاء الكبير الذى جرى بمناسبة مرور مائة عام على سينما مصر كواحد من أفضل مائة فيلم.
كل ما تم ذكره عن العالمى أنه شارك مع جارى كوبر وجون بنيت فى فيلم «الطريق إلى المغرب» ولعب دور قائد أوركسترا تركى، ومن الواضح أنه لم يستطع أن يعلن عن نفسه، فقد سبقه إلى هوليوود ممثل سعودى هو خليل الهادى، لكنه اكتفى بأنه أخذ السبق فى السفر إلى هوليوود مبكراً بصرف النظر عن الحضور الفنى هناك.. ولهذا لا ينطبق وصف العالمى بحق إلا مع عمر الشريف الذى عرفته السينما العالمية فى أمريكا وروسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وكان له إنتاجه الذى مازال يعيش إلى وقتنا هذا، وكان أيضا بطلاً فى السينما المصرية ورمزاً من رموزها، وقد سافر الكثير من المصريين والعرب وشاركوا فى أفلام أجنبية بأدوار أغلبها عربية أو شرقية، لكنهم بعد هذه التجارب عادوا إلى قواعدهم العربية.
لعل أحمد سالم بذكاء أراد أن يستثمر وجود عزت فى أمريكا لكى يوزع الفيلم هناك، خاصة أنه تميز فنياً وإنتاجياً بشكل يفخر به كل سينمائى أو متفرج مصرى، بل أنه يمثل مع فيلمى «العزيمة» و»السوق السوداء» مثلث الإجادة فى بداية السينما، ونصل بعد ذلك إلى مرحلة شادى عبدالسلام بفيلم «المومياء» ورغم أنه العمل الروائى الوحيد له، لكنه أخذ السينما المصرية إلى العالم بكل قوة، بقصة محلية تماماً جرى تصويرها فى أسوان والأقصر ببراعة لقطة لقطة، وكان حدثاً مدوياً أخذ سينما مصر إلى أبعد نقطة.
وقد يتهمنى البعض بأننى ظلمت يوسف شاهين عندما تجاهلت حضوره الأوروبى، خاصة فى مهرجان «كان» وشهادة التقدير التى حصل عليها منه عن مجمل أعماله، ومنها الكثير تم تمويله بالفرنك الفرنسى، وهذا لا يقلل من أهميته وقيمته كمخرج مهما اختلفت مع أفكاره، لكنه أحد عباقرة هذا الفن وتلك الصناعة.
وعلى ذكر الحضور العربى فى هوليوود، يجب أن نقف بكل احترام أمام المخرج الشهيد مصطفى العقاد سورى الأصل حامل الجنسية الأمريكية الذى رفض التمويل الأجنبى لأفلامه ومات قبل أن يحقق حلمه الكبير عن صلاح الدين الأيوبى، لكنه يكفيه أنه قدم لنا «الرسالة» و»عمر المختار» واعترف بأنه صنع أفلام «هالوين» لأجل أكل العيش، وهكذا احترم المتفرج العربى، فبادله الاحترام كله.
هكذا ينطبق على حسن عزت، ما سبق أن قلت عن أمريكا عموماً وسياستها بصفة خاصة، أن المتغطى بها «عريان».. لو كنتم تذكرون.









