وجهت مصر رسالة جادة إلى إسرائيل وهى بمثابة دعوة إلى الالتزام والمسئولية.. لقد شهدت القمة الاستثنائية التى استضافتها الدوحة مؤخرًا حول التطورات فى المنطقة، رسالةً مصريةً واضحةً ومباشرةً من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى إسرائيل، حملت فى طياتها الكثير من المعاني، ولم تكن مجرد خطاب دبلوماسى عابر.. هذا الخطاب، الذى وصفه البعض بأنه «جرس إنذار»، كان فى جوهره دعوةً حاسمةً إلى الالتزام بالقانون الدولي، وإدراك المسئولية الكاملة عن الأوضاع الإنسانية، والتوقف عن التصعيد الذى يهدد بتقويض الاستقرار الإقليمى بأكمله. لم تكن الرسالة مجرد استنكار للأحداث الجارية، بل كانت تعبيرًا عن موقف ثابت ومبدئى لمصر، باعتبارها ركيزة أساسية للأمن فى الشرق الأوسط. لقد ارتكز الخطاب المصرى على عدة محاور رئيسية، فى مقدمتها تأكيد الرفض القاطع لأى محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. هذا الموقف ليس جديدًا على مصر، ولكنه اكتسب أهمية قصوى فى هذه القمة، فى ظل الحديث المتزايد عن سيناريوهات التهجير القسري. الخطاب المصرى كان بمثابة تأكيد على أن هذا الإجراء يُعتبر خطًا أحمر لن تقبل به مصر تحت أى ظرف، وأن له عواقب وخيمة على الأمن القومى المصرى والعربي. هذا التحذير المباشر كان يهدف إلى وضع حد لأى أفكار قد تتبناها إسرائيل فى هذا الصدد، وإرسال إشارة واضحة بأن مثل هذه المخططات ستواجه بمعارضة قوية.
والمحور الثانى فى الرسالة المصرية كان يتعلق بضرورة الالتزام الكامل بالقانون الدولى الإنساني. فقد سلطت مصر الضوء على الأزمة الإنسانية المتفاقمة فى غزة، ودعت إلى فتح المعابر بشكل مستدام لضمان وصول المساعدات الضرورية من غذاء وماء ودواء ووقود. لم يكن هذا مجرد نداء إنساني، بل كان تذكيرا لإسرائيل بمسئولياتها كقوة محتلة، وبأهمية الالتزام بالقواعد التى تحكم سلوك الدول فى النزاعات المسلحة. والرسالة أكدت أن استمرار الحصار والتضييق على السكان المدنيين ليس فقط انتهاكا للقانون، بل يغذى أيضا حالة اليأس التى قد تدفع إلى مزيد من التطرف والعنف، مما يعقد الحلول المستقبلية.
أما المحور الثالث فكان بمثابة دعوة للعودة إلى المسار السياسى وإحياء عملية السلام. وأشارت مصر إلى أن الحل العسكرى لن يحقق الاستقرار الدائم، وأن الأمان الحقيقى لإسرائيل ولجميع دول المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
وكانت هذه الرسالة بمثابة تحذير من أن تجاهل الجانب السياسى سيؤدى حتمًا إلى جولات جديدة من الصراع، وأن السبيل الوحيد للخروج من هذه الدائرة هو العودة إلى المفاوضات الجادة وتفعيل حل الدولتين.
لقد كانت مصر وما زالت، طرفًا رئيسيًا فى أى جهود للتهدئة أو الوساطة، وهذا الدور يمنحها شرعيةً إضافيةً للتعبير عن قلقها الصريح. الخطاب فى قمة الدوحة لم يكن موجهًا إلى إسرائيل وحدها، بل كان رسالة إلى المجتمع الدولى أيضا، تدعوه إلى تحمل مسؤولياته والضغط على جميع الأطراف للالتزام بالتهدئة. مصر بهذا الخطاب كانت تؤكد على أن الحل لا يمكن أن يكون أحاديًا، وأنه يتطلب تضافر الجهود الدولية لإحياء الأمل فى سلام دائم. إن الخطاب المصرى فى قمة قطر كان نموذجًا للدبلوماسية الواقعية المسؤولة. لم يكن خطابًا تصعيديًا عاطفيًا، بل كان خطابًا يضع الحقائق على الطاولة، ويُذكّر بالمسؤوليات، ويُحذّر من العواقب. إن القمة، وبهذه الرسالة المصرية الجادة، لم تكن مجرد تجمع للزعماء، بل كانت منصةً لإيصال رسائل حاسمة، ربما كانت فى حاجة إلى أن تُقال بصوت عالٍ وواضح. إن جوهر رسالة مصر هو أن الأمن الإقليمى لا يمكن أن يكون تجزئةً، وأن استقرار الجميع مرهون بإنهاء معاناة الشعب الفلسطينى والتوصل إلى حل عادل وشامل، وهو ما يعزز من دور مصر كشريك موثوق به ووسيط رئيسى فى أى مساعٍ نحو السلام.









