فى عام 1954 كانت مصر تغلى وثورتها الوطنية بقيادة جمال عبدالناصر تتلمس طريقها وسط الألغام الإنجليزية والملكية والأحزاب التابعة والاقطاع المقيت .فى هذه الأجواء أطلت الفتنة الاولى للاخوان فى مارس 1954 متمثلة فى المحاولة الفاشلة لاغتيال عبدالناصر فى المنشية بالإسكندرية وسالت الدماء ونجا جمال عبدالناصر الذى نحيى هذه الأيام ذكرى وفاته.. وكعادتهم دائما لا تطل رؤس الاخوان أو ينتشرون ويقدمون مشروعهم الفتنوى إلا فى مناخ الفتن والصراعات.
> فى تلك الفترة كتبت عشرات المقالات والكتب عن فتنة الاخوان الجديدة.. وبالمناسبة هم فى فتن متتالية منذ أنشأ حسن البنا جماعة الاخوان عام 1928 وبمنحة مالية بريطانية.. فى تلك الفترة قدم مجموعة من كبار المثقفين كتابا هاما اسمه ( «هؤلاء هم الإخوان» ومن أبرز هؤلاء المثقفين (طه حسين – محمد التابعى –على أمين – كامل الشناوى – جلال الدين الحمامصى – ناصر الدين النشاشبي) وتضمن هذا الكتاب الوثائقى مقالاً لعميد الأدب العربى طه حسين عنوانه (رخص الحياة) استعرض ما ساد مصر انذاك من عنف تجسّدَ فى محاولة اغتيال جمال عبدالناصر عام 1954 فيما عُرفَ بحادثة المنشية، التى نفذها محمود عبداللطيف أحد أعضاء تنظيم الإخوان. وأشار طه حسين إلى أن الضباط الأحرار أثناء تنفيذهم لثورة 23 يوليو لم يجنحوا للعنف والقتل رغم امتلاكهم للسلاح والعتاد قائلاً: «ألم نشهد منذ عامين ثورة يقم بها الجيش وفى يده من وسائل البأس والبطش ما يغرى بإزهاق النفوس وسفك الدماء ولكنه يملك نفسه ويملك يده فلا يُزهق نفسا ولا يُسفك دما ولا يأتى من الشدة إلا ما يمكن تداركه.. كل هذا لأن مصر لا تحب العنف ولا تألفه ولأن نفوس أهلها نقية نقاء جوها»؟!
> ووصف طه حسين فى مقاله الاخوان بأنهم «من زمن الخوارج، وقبضة من نيران الحروب التى يشعلها المحتلون فى العالم، يخالفون الطبيعة الوديعة للمصريين، ويعملون على نشر القتل بينهم».
ويقول: «حياة المصريين إنما رخصت – على الاخوان رغم أن الإسلام لم يحرم شيئا كما حرم القتل، ولم يأمر بشيء كما أمر بالتعاون على البر والتقوي، ولم ينه عن شيء كما نهى عن قتل النفس بغير نفس إثما وعدوانا، ولم يرغب فى شيء كما رغب فى العدل والبر والإحسان».
>>>
> ويضيف طه حسين فى مقاله المهم : «واليوم نكتشف فريقا منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم فى الوطن ولإخوانهم فى الدين ولإخوانهم فى الحياة، التى يقدسها الدين كما لا يقدس شيئا آخر غيرها من أمور الناس، والخير كل الخير هو أن نطب (أى نستعين بالطب) لهذا الوباء كما نطب لغيره من الأوبئة التى تجتاح الشعوب بين حين وحين، وقد تعلم الناس كيف يطبون للأوبئة التى تجتاح الأجسام وتدفعها إلى الموت دفعا إنهم من زمن الخوارج، وقبضة من نيران الحروب التى يشعلها المحتلون فى العالم، يخالفون الطبيعة الوديعة للمصريين، ويعملون على نشر القتل بينهم).
> ويتساءل طه حسين بتعجب عن كميات الأسلحة التى ضبطتها قوات الشرطة المصرية فى مخازن الأسلحة الإخوانية بعد محاولة الاغتيال: «ما هذه الأسلحة وما هذه الذخيرة التى تدخر فى بيوت الأحياء وفى قبور الموتي؟ وما هذه الخطط التى تدبر، وما هذا الكيد الذى يكاد؟ ما كل هذا الشر، ولم كل هذا النكر، ولم رخصت حياة المصريين على المصريين؟».
>>>
وأرجع طه حسين مصدر فكر ودوافع تنظيم الإخوان إلى الخوارج: «جاء بعضها من أعماق التاريخ. من أولئك الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، والذين كان أيسر شيء عليهم أن يستبيحوا دماء المسلمين مهما تكن منازلهم فى الإسلام».
كما رأى سببا آخر وهو أن هذا الإرهاب هو قبضة نار حلت على مصر من النار المتأججة فى العالم حينذاك ضد الشعوب الساعية للاستقلال: «جاء بعضها الآخر من هذا الشر المحيط الذى ملأ الأرض ظلما وفسادا من هذا القتل المتصل فى الحروب يثيرها بعض الأقوياء على بعض، وفى البطش يصبه الأقوياء على الضعفاء فى البلاد المستعمرة التى يريد أهلها الحرية، ويأبى المتسلطون عليها إلا الخضوع والإذعان».
وتحت عنوان «فتنة» واصل طه حسين تشخيصه للظروف التى جاهر فيها الإخوان بشرورهم، قائلا إن هذه الضربة جاءت إلى مصر وهى «تجرب الاستقلال للمرة الأولى بعد أن خضعت لسلطان الأجنبى الخارجى دهرا طويلا (…) والعالم يرقبها ليرى كيف تنهض بأعبائها الجديدة»، فى إشارة إلى تحفز أعداء مصر لينقضوا عليها مجددا إذا ما فشلت.
>>>
وتنبأ طه حسين بأنه لو كان تم للإخوان مرادهم باغتيال الرئيس عبدالناصر لوقعت «الحرب الداخلية بين المواطنين»، وأن يضيع هذا الاستقلال الذى ذاقت مصر فى سبيله مرارة الجهاد الشاق، وأن ترجع مصر أدراجها ليدبر أمرها الأجانب، وذلك بزعم أن أبناء مصر لم يحسنوا استغلال فرصة الحرية.
>>>
خلاصة الامر بالنسبة لطه حسين كما هى لرموز الامة المستنيرة عبر المائة عام الماضية منذ تأسست الجماعة عام 1928 أن (جماعة الاخوان ) وخلاياهم النائمة فى مصر اليوم (2025) هم مجرد (جماعة وظيفية) (بندقية للايجار وبمن يستخدمها من الخارج) وليسوا (جماعة إسلامية) وأنهم يتوسلون بالإسلام لتحقيق أهدافهم وعلى رأسها الوصول للحكم والغرب وأجهزته منذ نشأتهم حنى اليوم يستخدمهم لخلق الفتن والفوضى
وضرب الدولة الوطنية وجيشها فى القلب لكى يسهل عليهم السيطرة والاستمرار .. إنهم إذن مشروع للفوضى والفتن الدامية وليس مشروعا للنهوض والتقدم وعلينا أن نكون دائما يقظين لهكذا مشاريع يدخلون من أبوابه حين غفلة… حفظ الله مصر! «.
