في السادس من أكتوبر 1973 حقق المصريون نصرًا عسكريًا غير مجرى التاريخ.. لم يكن النصر وليد القوة العسكرية وحدها، بل أسهم الإعلام بدور جوهري في تشكيل الوعي الجمعي، وبناء الثقة بين الشعب وجيشه، وإيصال رسالة مصر إلى العالم.. ولعب لإعلام المصري- العام والعسكري- دورًا لا يقل أهمية في صناعة النصر.. فقد مثّل الإعلام جبهة موازية، تخوض معركة الوعي، وتكشف للعالم حقيقة العدوان الإسرائيلي.
واليوم، بعد أكثر من خمسة عقود، يقف الإعلام الرقمي أمام مسؤولية مشابهة، لكن بأدوات وتقنيات مختلفة، في مواجهة معارك لا تقل خطورة عن معارك الأمس.
خلال حرب أكتوبر المجيدة، كان الإعلام المصري سلاحًا معنويًا، عمل على رفع الروح المعنوية للشعب، ودعم الجبهة الداخلية، وتقديم صورة صادقة للعالم عن القضية المصرية والعربية، ورغم السرية التي فرضتها القيادة على تفاصيل الحرب، استطاع الإعلام أن يحافظ على مصداقيته، وأن يبرز بطولات الجيش ويعزز وحدة الصف الوطني.
اليوم تغيّر المشهد الإعلامي جذريًا.. فقد حلت المنصات الرقمية ومواقع التواصل محل الإذاعة والتليفزيون كوسائل التأثير الأولى. الجمهور لم يعد متلقيًا فقط، بل أصبح شريكًا في صناعة المحتوى ونقله وتفسيره. ومع سرعة تداول المعلومات، باتت المعركة الإعلامية تدور في فضاء مفتوح بلا حدود زمنية أو جغرافية.
إذا كان هدف الإعلام في أكتوبر هو إسقاط أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، فإن هدف الإعلام الرقمي اليوم هو مواجهة حملات التشويه، ونشر الوعي الوطني، وحماية الذاكرة الجمعية من التزييف. فالمعارك الحديثة لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل بالكلمة والصورة والمعلومة السريعة التي تنتشر بضغطة زر.
الإعلام الرقمي يمنح فرصة هائلة لنقل تجربة أكتوبر للأجيال الجديدة بلغة يفهمونها: أفلام وثائقية قصيرة، منصات تفاعلية، وسرد قصص الجنود عبر الفيديوهات والبودكاست، لكنه في الوقت نفسه يفرض تحديات كبرى تتعلق بسرعة الشائعات، وضعف التحقق من المصادر، ما يستدعي بناء إستراتيجية رقمية وطنية واعية.
يبقى درس أكتوبر حاضرًا: النصر لا يتحقق فقط في ميدان القتال، بل في ميدان الوعي. وإذا كان الإعلام التقليدي قد لعب دوره في 1973، فإن الإعلام الرقمي اليوم هو جبهة الحاضر والمستقبل، لحماية الحقيقة وبناء الثقة وصياغة روايتنا الوطنية بأيدينا.