تخرجت فى مدارس يحيى الفخرانى ومحمد صبحى ويوسف شعبان وكمال الشناوى وغيرهم من الفنانين الكبار، وكانت مسرحية الهمجى أحلى انطلاقة نحو عالم الفن، كما كان مسلسل العطار والسبع بنات بمثابة الازدهار، والخواجة عبدالقادر والملك لير أصقل موهبتها.. إنها الفنانة هدى هانى التى فتحت قلبها وعقلها فى حوار صريح مع «الجمهورية».
أكدت «جهاد» وهو اللقب الذى نحب أن يتم النداء بها لأنها أول شخصية قامت بأدائها وهى طفلة فى مسلسل يوميات ونيس.. وإليك عزيزى القارئ الحوار:
فى البداية، عندما كنت أعمل فى المسلسل، وأنا طفلة، لم أكن أدرك أهمية ما نقوم به، لكننى كنت أعرف أننا نصنع عملًا مميزًا مع فنان كبير مثل النجم محمد صبحي. لقد أثر فى شخصيتي، فنحن على قرابة قوية به، لأن عمتى هى الفنانة هناء الشوربجي. لذلك، ساهم بشكل كبير فى تربيتى الشخصية. الوقت الذى قضيناه معًا فى «ونيس» كان أكبر بكثير من الذى نقضيه مع عائلاتنا. كنا نقضى أربعة أو خمسة أشهر يوميًا فى المسرح لتصوير المسلسل من الصباح إلى الليل. كانت أجمل أيام حياتى وطفولتي، وغيرت من تكوينى العقلى ومنحتنى دفعة قوية لأكون مختلفة عن كل الأطفال فى سنى وزملائي.
كما ان الخروج من تجربة «ونيس» سمح لى بتقديم شخصيات مستقلة فى أعمال أخري. كان حظى كبيرًا جدًا بالعمل أثناء تقديمى لدور «جهاد» فى العديد من الأعمال الأخرى المميزة والمثمرة. هذا الأمر أحدث توازنًا فى مسيرتي، حيث اكتسبت خبرة من مخرجين ونجوم كبار. لقد عملت مع فنانين قديرين مثل نور الشريف رحمه الله.. ويحيى الفخراني، ليلى علوي، فردوس عبد الحميد، كمال الشناوي، يوسف شعبان، ومع مخرجين كبار مثل محمد فاضل، مجدى أبو عميرة، عمر عبد العزيز. وغيرهم كان حظًا وفيرًا لى أن أتعلم من مدارس فنية متنوعة، وهو ما صقل موهبتي.
>مسرح الفنان محمد صبحى له مدرسة فنية قائمة بذاتها، تعتمد على الانضباط والتحضير العميق للشخصية. كيف أثرت هذه المدرسة عليك كممثلة، وهل تجدين أن هذا المنهج لا يزال صالحًا وفعالًا فى المسرحيات التى تقدمينها اليوم مثل «الملك وأنا»؟
>>لقد ساهم الفنان محمد صبحى بشكل كبير فى تربيتى الشخصية والفنية. التحضير فى مسرحه هو نفسه دائمًا، ، لم يتغير شيء. تعلمت على يده أن الواسطة لا مكان لها، وهذا أفادنى والحمد لله. هذه المدرسة أثرت فى تكوينى العقلى ومنحتنى دفعة قوية لأكون مختلفة. وهذا المنهج القائم على الانضباط والعمق لا يزال صالحًا بالطبع، فالممثل الجيد يمكن أن يفعل أى شيء ويغير جلده باستمرار، وهذا هو أساس الفن الحقيقي.
>بعد مسيرتك الطويلة، عدتِ بقوة إلى خشبة المسرح من خلال مسرحية «الملك وأنا». ما الذى دفعكِ لذلك فى هذا التوقيت تحديدًا؟ وهل كانت لديكِ أى مخاوف من هذا التحدي؟
>> أنا لم أترك المسرح أبدًا، ولكنى لا أعمل فيه باستمرار بسبب ظروفى العائلية وأولادي، إلا عندما أجد نصًا جيدًا يشجعنى على ذلك. عدت فى مسرحية «الملك وأنا» بسبب اسم المخرج المتميز محسن رزق. كنت أرغب فى العمل معه منذ فترة طويلة، وعندما جاءنى العرض، لم أتردد فى الموافقة، خاصة بعدما وعدنى بأنه سيقدم شخصيتى بشكل مختلف وجديد، وهذا ما حدث بالفعل. الحمد لله، ردود الفعل التى تلقيتها جيدة جدًا، وكانت تجربة رائعة.
>فى مسرحية «الملك وأنا»، قيل إن دورك كان «بسيطًا ولكنه مختلف ومعقد». كيف استطعتِ إعطاء هذا العمق للشخصية رغم بساطتها الظاهرة؟ وما المفاجأة التى ذكرتِ أنها كانت فى الدور؟
>> حجم الدور لا يهمنى إطلاقًا، فمشهد واحد يمكن أن يؤثر فى الناس كلها. شخصية «سون» تبدو بسيطة، ولكنها معقدة جدًا لأنها تمر بتطورات مختلفة وسريعة؛ من الطاعة العمياء للملك إلى الغيرة ثم إلى امتلاك فكر مستقل والدفاع عن الحقوق. أرى أن «سون» ترمز للشعب الذى يتطور فكره. وهذا يمثل الصعوبة والتحدي. المفاجأة كانت فى تقديم الكوميديا بشكل جديد ومختلف، لدرجة أن الناس تفاجأت بأدائى الكوميدي. أجمل شيء للممثل هو أن يغير جلده، وهذا يسعده كثيرًا.
>تحدثتِ عن مسرحية «الهمجي» وكواليسها مع الفنانة سعاد نصر. هل يمكن أن تقارنى بين طبيعة العمل المسرحى فى ذلك الوقت واليوم؟ وما أبرز الفروقات التى لاحظتها بالأجواء والتحضيرات؟
>> مسرحية «الهمجي» كانت أحلى بداية لي. الفروق بين ذلك الوقت واليوم كبيرة جدًا، فالمشاهد مختلف تمامًا. جمهور زمان كان يحب المسرح جدًا، وكانت هناك حالة كبيرة، و سبع أو ثمانى مسرحيات لنجوم كبار فى نفس التوقيت. أما الآن، يوجد فقط مسرح الدولة الذى يحاول تقديم مسرحيات هادفة والفنان محمد صبحى ما زال يجاهد ليقدم فنه. لقد افتقدنا التنافس، والجمهور العربى الذى كان يأتى خصيصًا لحضور ذلك الثراء الفني. الحالة المسرحية الآن يرثى لها وغير موجودة على الاطلاق، وأتمنى أن يعود الوضع كما كان.
>قدمتِ أدوارًا مميزة فى مسلسلات مثل «أحزان مريم» و»العطار والسبع بنات» و»الخواجة عبدالقادر» أى من هذه الأعمال الأقرب لقلبك، ولماذا؟
>> لا أستطيع المقارنة بين أدواري؛ فشخصيتى فى كل مرحلة عمرية مختلفة. لا مجال للمقارنة إطلاقًا.
«العطار والسبع بنات» كان حالة فنية وازدهارًا استثنائيًا بالنسبة لي، وحقق لى نقلة كبيرة وشهرة واسعة.
«الخواجة عبد القادر» يمثل مرحلة نضج كبيرة، ووقعت فى حب النص المكتوب بعبقرية، وشعرت أننى أقدم شخصية مختلفة عنى تمامًا.
«أحزان مريم» كان مع المخرج الجميل عمر عبدالعزيز وأمام الفنانة العظيمة ميرفت أمين.
أحب الأعمال الثلاثة جدًا.
>كيف تتعاملين مع الانتقال من أدوار الفتاة الشابة والابنة فى «يوميات ونيس» إلى أدوار أكثر نضجًا وتركيبًا؟
>> يمكننى حتى الآن أن أؤدى فنانة شابة أو ابنة. لكن الأدوار الأكثر نضجًا وتركيبًا هى التى أعشقها لأنها تمثل تحديًا لي. ألاحظ أنهم دائمًا يسندون إليّ الأدوار الصعبة، وهذا شيء جميل وأتشرف به، لأنه يعنى أنهم يثقون فى قدرتى كممثلة. هذا يضعنى فى مكانة مختلفة أمام نفسى والناس. أنا أتعامل مع كل دور بإخلاص، وأقوم بتدريبات كثيرة، وأظل مرعوبة حتى يظهر على الشاشة.
>ذكرتِ أن الراحلة سعاد نصر كانت بمثابة أم لكِ. هل يمكن أن تشاركينا موقفًا محددًا يوضح عمق هذه العلاقة خارج كواليس العمل؟
>> سعاد نصر كانت حالة خاصة ونجمة لم يأت مثلها. كانت أمًا وصديقة، وقامت بدور والدتى لأول مرة فى «الهمجي» ثم لمدة خمس سنوات فى «ونيس». عمق العلاقة يظهر فى أنها كانت صديقة مقربة لعمتى (هناء الشوربجي)، وحتى فى الأوقات التى لم يكن فيها تصوير، كانت تزورنا فى البيت باستمرار. و بيننا عشرة وحب حقيقى خارج العمل. أنا محظوظة جدًا، فبعد وفاة والدتى وأنا صغيرة، عوضنى الله بأمهات كثيرات جدًا، منهن الفنانة الراحلة سعاد نصر.
>علاقتك بـ(عمتك) الفنانة هناء الشوربجى تبدو استثنائية. كيف أثرت تربيتها لكِ على اختياراتك فى الحياة والعمل؟ وما الدور الأكبر الذى لعبته فى دعمك الفني؟
>> بسبب هذه القرابة القوية، ساهم الفنان محمد صبحى بشكل كبير فى تربيتى الشخصية والفنية. هذا الارتباط كان له دور أساسى فى تكوينى ومنهجى فى العمل، حيث تعلمت فى بيئة فنية منضبطة لا تعترف بالواسطة.
>يقول الأديب الأمريكى إرنست همجواي: «الفن لا يهدف إلى إظهار الحقيقة، بل إلى جعلنا ندركها». كيف ترين هذه المقولة تنطبق على دورك كممثلة؟ وهل تعتقدين أن الفن قادر على تغيير وعى الناس؟
>> بالطبع، الفن لا يهدف بالضرورة إلى إظهار الحقيقة، لكنه يجعلنا ندركها ويسلط الضوء على واقعنا. وفى رأيي، هو يظهر لنا الحقيقة أيضًا. أرى أن الفن رسالة كبيرة وسامية، وهو القوة الناعمة الحقيقية. عندما يُستخدم بشكل صحيح ويُقدم بإخلاص، يصبح أجمل ما فى الدنيا. أدعو الله دائمًا أن أكون سببًا فى تغيير شيء ما لشخص ما، وأن أقدم عملًا أفتخر به.
>مسيرتك الفنية تمثل جسرًا بين جيل العمالقة والجيل الحالي. ما الذى تحرصين على نقله من خبرة وقيم الزمن الجميل إلى نجوم اليوم، وما الذى تعلمتِه أنتِ من روح التجديد لدى الشباب؟
>> لقد اكتسبت خبرة كبيرة من الأجيال السابقة، ولكن الدنيا تغيرت تمامًا. الأجيال الحالية التعامل معها صعب جدًا؛ فعقليتهم ومقاييسهم مختلفة. أحاول أن أتقرب منهم، وأتعلم من خلال ابنتى ذات الاثنى عشر عامًا التقنيات والأساليب والروح الجديدة. من يكون فى المنتصف بين جيلين يواجه صعوبة، لكننى بقدر الإمكان أحاول الموازنة بين الأمور؛ فلا أستطيع أن أتخلى عن مبادئى والأسس التى تعلمناها قديمًا، وفى نفس الوقت لا أريد أن أبدو قديمة الطراز.
>بعيدًا عن الأدوار الكوميدية أو الاجتماعية، شخصية تتمنين تقدميها فى المستقبل ولم تُتح لكِ الفرصة بعد؟
>> طالما أنا فى هذه المهنة، ستبقى بداخلى رغبة فى تقديم المزيد من الأدوار. ولكن أمنية حياتى هى أن أجسد شخصية الفنانة شادية، فهى التى حببتنى فى هذه المهنة. أعشقها وأشعر أنها فنانة متكاملة وإنسانة عظيمة، وأتمنى أن أقدم قصة حياتها.
>كيف استطعتِ تحقيق التوازن بين حياتك الفنية و الشخصية، ؟ وهل تواجدك فى أسرة فنية جعل الأمر أسهل أم أصعب؟
>> للأسف، كنت أحاول دائمًا تحقيق التوازن بين حياتى الفنية والشخصية، خاصة مع وجود أطفال ورغبتى فى تربيتهم بشكل صحيح. ولكن هذا جاء على حساب الفن قليلًا، حيث ابتعدت بعض الشيء. أما عن كونى من أسرة فنية، فالأمر فى الواقع أصعب وليس أسهل. فنحن بعيدون تمامًا عن الوسط الفنى ومنغلقون على أنفسنا، فأنا خجولة بطبعى ولا أجيد بناء العلاقات الاجتماعية فى الوسط، وهذا أخّرنى كثيرًا.
>هل هناك أى مشاريع فنية قادمة ترغبين فى الإفصاح عنها ؟
>> حاليًا، أعمل على مسرحية «الملك وأنا»، ولا يوجد مشروع فنى قادم لى الآن. عندما يكون هناك مشروع جديد، سأكون أول من يعلن عنه إن شاء الله..