إذا كانت الحياة الهادئة والمستقرة والسعيدة أملاً يسعى إليه الأفراد وغاية تتنافس حولها الأمم فإن الحرص على اقتناء المال والاستزادة منه يظل الوسيلة التى تحقق تلك الحياة بل يبالغ البعض فيجعل الحرص على المال ووفرته غاية لا وسيلة فإذا كان الأمر كذلك فلا غرو.. أن يهتم الناس ومنهم الأدباء بالمال وأن نجد من حديثهم عن المال بعض الطرائف والحقائق أيضاً.
إذا أردنا الاقتراب من رأى الشعراء ونظراتهم حول المال فإننا نرى منهم ما يجعله أساساً لتكريم صاحبه وتقديره الناس له وسبباً فى علو شأنه وسمو منزلته: « حياك من لم تكن ترجو تحيته.. لولا الدنانير ما حياك إنسان» وإذا ما اعتزل الإنسان أصدقاؤه وعزف عنه الناس.. وإذا اجتنبه الأهل والأقارب فإن ماله لن يخذله ولم يبطئ فى تلبية رغباته:
كل النداء إذا ناديت يخذلنى.. إلا نداى إذا ما قلت يا مالى
وقد لا يهتم الناس بالإنسان الحكيم المتحدث كما أن منهم من لا تروعه قوة البدن والسلاح فيأتى المال ليقنع الناس برأى صاحبه ويقوم مقام السلاح الفتاك هذا ما يقرره الشاعر فى قوله:
وهى اللسان لمن أراد فصاحة- وهى النبال لمن أراد قتالا.
ومن أطرف ما سمع فى حب المال والسعى إليه والتكالب على أصحابه ما قاله الإمام الشافعي- رضى الله عنه:
رأيت الناس قد مالوا.. إلى من عنده مال
ومن لا عنده مال.. فعنه الناس قد مالوا
وبالرغم من كل ما قدمناه مما يثبت مكانة المال ورسوخ قدم أصله وسعى الناس إليهم يفاجئنا رأى الشاعر الكبير محمود سامى البارودى الذى نراه فى معرض حديثه عن نفسه والافتخار بمواهبه ومكانته نراه لا يعتد كثيراً بالمال ويرى أن الإقلال منه غير عائق له عن اكتساب المكانة اللائقة فنراه يقول:
أنا المرء لا يثنيه عن درك العلا.. نعيم ولا نغدو عليه المفاقر.
بل إن البارودى يذهب إلى أكثر من ذلك فيجرد المال من أى أهمية ويجعله غير ذى وزن فى الحياة.
ولو أن أسباب السيادة بالغني- لكاثر رب الفضل بالمال تاجر.
وكانت العرب تتعاير بالبخل والجبن فقال الشاعر:
أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت- على العباد من الرحمن أرزاق
لا ينفع البخل مع دنيا مولية- ولا يضر مع الإقبال أنفاق
ويقول أحدهم:
إن الدراهم فى المواطن كلها- تكسو الرجال مهابة وجمالا
فهى اللسان لمن أراد فصاحة- وهى السلاح لمن أراد قتالا
لكن مع ذلك نجد أغلب الشعر زاهداً بالمال ورافضاً جمعه واكتنازه حيث يرى الشاعر المخضرم «الحطيئة» أن التقوى خير من المال إذا أراد الإنسان كنزاً.
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقى هو السعيد.
وتقول الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد.
بل يرى صفى الدين الحلى أن المرء ما لم تكن الأموال فى نفسه ذليلة لن يجد طريقه للعز.
يا من يعز المال ضنا به- إن المعالى ضد ما تزعم
ما عز بين الناس قدر امرئ- إلا وقد ذل به الدراهم