تمتلك الأمة العربية ثروات وأوراقا تستطيع لو أحسنت استخدامها أن تضمن كلمة عليا فى كثير من النزاعات العالمية، أو على الأقل تستطيع أن تحافظ على مصالحها وحقوقها فى القضايا المختلفة، ولكن شيئا من ذلك لا يحدث، فبعد هزيمة 1967 تفرق العرب بفئاتهم وشرائحهم الإجتماعية كلها فى فراغ الأفكار والمشاريع يفسرون ما حدث وقلما يفكرون بكيفية الخروج منه.
إن ما يمر به العرب اليوم أفدح وأصعب مرحلة فى تاريخهم الحديث والمعاصر، لذا فقد جاءت قمة الدوحة منذ أيام وسط تصاعد غير مسبوق فى التوترات الإقليمية، والاعتداء على سيادة دولة قطر، كما تأتى على وقع النية الإسرائيلية فى القضاء على غزة، والأوضاع المأساوية الإنسانية والسياسية التى تجاوزت حدود فلسطين إلى عمق العالمين العربى والإسلامى .نعم القمة جاءت فى توقيت حرج، وجاءت لتؤكد أن الأمة العربية، حكاما وشعوبا، أمامها فى عام 2025 مهمات كبيرة لإدامة المكاسب الإستراتيجية المتحققة وتعزيزها للوصول إلى التضامن والتكامل العربى المنشود وتحقيق الاستقلال السياسى والاقتصادى للأمة، لذا فإن الآراء والتجارب السابقة تؤكد أن تقصير العرب فى تنفيذ هذه المهمات سيعطى الفرصة لقوى إقليمية ودولية متربصة أن تتقدم لسد الفراغ، وستطل الفوضى الخـلاقة برأسها من جديد لتجهض الانتصارات وتحرق الأخضر واليــابس. وســط هذه الحــالة جاءت كلمـات السـيد الرئيس السيسى خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة، لتحمل العديد من الرسائل خاصة للداخل الإسرائيلى، قال فيها: «إن ما يجرى حاليا يقوض مستقبل السلام ويهدد أمنكم وأمن جميع شعوب المنطقة، ويضع العراقيل أمام أى فرص لأى اتفاقيات سلام جديدة، بل ويجهض اتفاقيات السلام القائمة مع دول المنطقة، وحينها ستكون العواقب وخيمة». كما حذرهم من «عودة المنطقة إلى أجواء الصراع وضياع ما تحقق من جهود تاريخية لبناء السلام، ومكاسب تحققت من ورائه، وهو ثمن سندفعه جميعا بلا استثناء، فلا تسمحوا بأن تذهب جهود أسلافنا من أجل السلام سدى، ويكون الندم حينها بلا جدوى». وتأكيداً على رسائل الرئيس السيسى، فإننا نؤكد أن العلاقات بين الدول إما أن تبنى على التعاون والسلام كما كان الحال فى فترات سابقة من تطبيق معاهدة السلام، أو أن تنسفها الحكومات المتطرفة عبر سياسات عدائية، وهو ما تفعله حكومة بنيامين نتنياهو التى تصرح بأنها ستردع كل من يحاول الاعتداء على الكيان، وستقوم برسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، دون أن تحدد بالضبط ماهية هذه الخريطة، والتى يؤكد الخبراء أن هذه الخريطة المقصود بها عدد من التغييرات الكبرى يسعى نتنياهو لتحقيقها ومن بينها أولا: إنهاء أى إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ثانياً: إنهاء إرتباط القضية الفلسطينية بالتطبيع وإقامة علاقات مع دول المنطقة عن طريق استكمال الاتفاقيات الإبراهيمية، وبالتالى تريد إسرائيل إنهاء معادلة الأرض مقابل السلام بمعادلة الاستقرار السياسى والازدهار الاقتصادى لدول الإقليم مقابل السلام. ثالثا: مواصلة الضغط والحصار على النظام الإيرانى حتى يتم التأكد من التخلى عن أحلام المشروع النووى. والسؤال الذى يطرح نفسه هو هل يتمكن الكيان الصهيونى من تنفيذ هذه المتغيرات السابقة؟ يقيناً ليس هناك مستحيل خاصة إذا كان مرتبطاً بالعلم والذكاء الاصطناعى، وسط منطقة لا تؤمن به، ولكن قد تكون قمة الدوحة بداية تصحيح المسار العربى، ويقيناً فإن نقطة الانطلاق نحو تكوين موقف عربى موحد لمواجهة التحديات الصهيونية القائمة والمستقبلية هى فى التفسير الصحيح للمتغيرات الإقليمية والدولية ببعدها الاستراتيجى والتاريخى الشامل، والايمان بقدرات الأمة، وعدم الركون الى المصالح الضيقة المثبطة للعزائم وقياس موازنة القوة حسب قدرات الجيوش والتى يجب ان تكون لها قواعد أساسية تعتمد عليها مثل الهيئة العربية للتصنيع وهو ما سوف نتناوله فى المقال القادم بإذن الله.