«طريق الألف ميل بدأ بصمود أهل غزة» هذه الحقيقة يجب أن نعترف بها ونحن نعيد قراءة المشهد فى المنطقة العربية بتفاصيله القديمة والمستجدة وبشخوصه الفاعلة بقوة النفوذ والسلاح وغيرها ممن ما زالت تأمل فى تغليب لغة العقل واستعادة لغة السلام، ولكن يظل المطمح الأخير «حلم» يحتاج المزيد من التضحيات لكى يتحقق، لماذا: لأن المشهد فى المنطقة بات خطيراً ومعقداً خاصة بعد الهجوم الإسرائيلى على قطر الأسبوع الماضى والذى أكد أن لغة القوة أصبحت أعلى صوتا من لغة التفاوض والدبلوماسية وأن هناك أبعاداً جديدة ظهرت فى العلاقات الدولية تعتمد فى الأساس على لغة المصالح والصفقات الضخمة فى ظل ما شملته الخريطة الدولية من عناصر محددة تتضمن ما يلى:
> دولة «مهيمنة»وهى الولايات المتحدة التى تدير شئون العالم من وجهة نظر دينية وصهيونية وهى مستعدة فى كل وقت لدعم ومساندة إسرائيل حتى لو تجاوزت كل الخطوط الحمراء وارتكبت كل الجرائم ضد الإنسانية.
> دولة «مارقة» وهى إسرائيل تدعمها الولايات المتحدة ولديها الاستعداد لاستخدام القوة المفرطة والقتل والحصار والتجويع لتحقيق أطماعها فى الاحتلال والتوسع على حساب الأراضى العربية.
> دول عربية تمتلك الكثير من عناصر القوة لكنها تعانى من الاستهداف والاستغلال والحروب المتتالية ، وهى تتمسك بالتفاوض والسلام بينما الجانب الآخر يريد لها الخنوع والاستسلام.
> قوى كبرى بحجم روسيا والصين والاتحاد الأوروبى، الأولى وهى روسيا مشغولة بحرب مفتعلة ضد أوكرانيا، والثانية « الصين» لاتريد التورط فى معارك جانبية تشغلها عن حلمها الأكبر فى تصدر خريطة الاقتصاد العالمى، أما القوة الثالثة « الاتحاد الأوروبى» فهى مجبرة على تنفيذ ما يتوافق مع المصالح الأمريكية والغربية.
> قوى ناهضة مثل الهند والبرازيل ، وهذه الدول رغم أهميتها ألا أن تأثيرها يظل محدوداً فى ظل الهيمنة الأمريكية وفى ظل الرغبة فى الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية.
> الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الحقوقية الدولية الى جانب محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وجميعها ظهر عاجزاً عن تنفيذ قرارات بوقف الحرب ومحاكمة مجرمى الإبادة بإسرائيل بسبب «الفيتو» الأمريكى ولتدخلات القوى الكبرى.
>>>
هذه الخريطة وما شملته من عناصر ومفردات تكشف إلى حد بعيد أسباب تبجح جيش الاحتلال الإسرائيلى فى المنطقة العربية والعوامل المباشرة لمواصلته حرب الإبادة فى قطاع غزة ثم الهجوم على مقر اجتماع قادة حماس فى الدوحة ومحاولته ضرب الوساطة القطرية لوقف اطلاق النار فى القطاع وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات، فالتطور الأخير بدد بالفعل بعض المسلمات العربية بما فيها أن الولايات المتحدة تحمى حلفاءها وأنها لا تسمح بالعدوان على أراض توجد عليها قواعد ومصالح أمريكية، أيضاً فقد جاء ليؤكد أن أمريكا تضمن أمن إسرائيل ولكنها لاتضمن أمن أى دولة عربية ، وأن العرب باتوا مسئولين عن أمن بلادهم ولا أحد غيرهم يمكنه تحقيق هذا الهدف».
>>>
لكن ورغم ما تضمنه المشهد فى المنطقة هذا الأسبوع من جرائم إسرائيلية فى الأراضى المحتلة ومن هجوم جبان على قطر، إلا أن نفس المشهد حمل الكثير من المواقف والأحداث التى تؤكد أن طريق تحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بدأ بالفعل من قطاع غزة، سيما أن المقاومة التى تعانى من كل أشكال القصف والحصار واصلت ضرباتها للعدو الإسرائيلى وكبدته خسائر كبيرة فى المعدات والأرواح منهم قيادات بجيش الاحتلال، أيضاً هذه الحالة من الكشف التى طالت معظم دول العالم عن حقيقة الاحتلال الإسرائيلى وجرائمه التى تستهدف المدنيين وتقتل الأطفال والنساء بالرصاص والتجويع، ويثبت ذلك ما جاء فى جلسة مجلس الأمن الأخيرة والتى تحدث فيها ممثلو عدد كبير من الدول عن فظائع الاحتلال الإسرائيلى، ثم هذا القرار الذى أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتراف 142 بحل الدولتين والذى تحدى أمريكا وتسبب فى هلع قادة وسكان إسرائيل.
>>>
الجانب الآخر «الرائع» فى المشهد هذه الحالة من نبذ إسرائيل، هذا الكيان الذى تمكن على مدى عقود من خداع شعوب كثيرة فى العالم وإذ بهذه الشعوب تفيق من غفوتها وتعبر عن غضبها مما يحدث بقطاع غزة، فى الولايات المتحدة شمل الغضب أعضاء بالكونجرس ومحاربين قدامى ومقدمى برامج فضلا عن مواطنين بعضهم تغنوا باسم فلسطين ورفع علمها أمام الرئيس الأمريكى ترامب عند دخوله وأعضاء بحكومته أحد المطاعم لتناول طعام الغداء، وفى العاصمة البريطانية لندن فوجىء رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوج بمواجهته ببشاعة جرائم جيش الاحتلال وعندما عاد إلى تل أبيب عبر عن حزنه العميق لهذه الكراهية لإسرائيل وجيشها وحكومتها، وفى عواصم أوروبية أخرى عبر متظاهرون وفنانون ورياضيون عن غضبهم الشديد من حرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان غزة .. لقد أصبحت إسرائيل بالفعل ومن وجهة نظر معظم شعوب العالم دولة منبوذة ومتوحشة تقتل الأبرياء بالطائرات والمدافع والدبابات، تدمر البيوت والمدارس والمستشفيات ولا تستحى من تجويع أناس عزل لا ذنب لهم سوى تمسكهم بأرضهم ووطنهم وإيمانهم المطلق بأنهم أقوى من إسرائيل وأنه سيأتى الوقت والاحتلال حتما سيزول.









