في اللحظات الحاسمة تأتى كلمات الكبار لتضع النقاط فوق الحروف وتكشف الحقائق وترسم الطريق نحو الهدف الذي يجب أن نصل إليه.
إذا كان هدفنا أن نحمى أمننا القومي العربي ومصالحنا الإستراتيجية ومواجهة ما تتعرض له من تحديات ضخمة، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أمام القمة العربية- الإسلامية الطارئة بالدوحة أجاب عن سؤال «كيف؟» الذي نحتاج إليه جميعا، وحدد الثوابت التي تحمى والأسس التي تردع كل من يفكر فى الاقتراب من سيادة دولنا أو تهديد مقدراتنا.. من يقرأ أو يستمع إلى كلمة الرئيس ورسائله سيدرك أنها لم تكن كلمة بروتوكولية ولا شعارات تردد من أجل اللحظة ودغدغة مشاعر الشعوب العربية في هذا الظرف الصعب.. فالرئيس لا يفعل هذا ولا يقبله، وإنما هي كلمة حق واضحة، وصفت الوضع جيدا ولخصته.. وكتبت اولويات المواجهة وسبل القوة والردع بعناية ودقة.. وعندما تتتبع بعض رسائل الكلمة ستجد هذا ظاهرا فيها بوضوح.
فعندما يتحدث الرئيس عن تجاوز الممارسات الإسرائيلية لكل المنطق السياسي والعسكرى وكافة الخطوط الحمراء، فهو يرسم الصورة الواقعية جيدا، وعندما يحذر من تأثير ما تفعله إسرائيل على اتفاقيات السلام وأن هذا ستكون عواقبه وخيمة فهو يكشف الخطر الذي يمكن أن تدفعه المنطقة بالكامل بل والعالم كله بسبب الانفلات الإسرائيلي غير المحسوب. بل وستدفعه إسرائيل نفسها وشعبها، وعندما يخاطب الشعب الإسرائيلي بأن الغطرسة والقوة والاعتداء لن تضمن له الأمن والسلام فهو يضعه أمام مرأة الحقيقة والمستقبل القريب الذي يتعامى عنه يفعل خداع حكوماته وقادته المتطرفين.
وعندما يؤكد الرئيس أن سيادة الدول العربية والإسلامية ليست مجالا للانتهاك تحت أى ذريعة، فهو ينبه إلى الثمن الذي يمكن أن يدفعه كل من يفكر فى هذا والغضب الذي يمكن أن يحرق الجميع. وعندما يطالب بآلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون في مواجهة التحديات وقرارات تردع كل مغامر، فهو يكتب رسالة صادقة لمن يريد أن يدافع عن الأمة بحق ويحمى مصالحها فعلا.
عندما يتحدث الرئيس عن ضرورة أن يرى العدو أي دولة عربية مساحتها ممتدة من المحيط إلى الخليج ومظلتها متسعة لكل الدول الإسلامية فهو يوضح أولًا: أننا أمام عدو وليس صديقا حتى لا تخدع أنفسنا، وثانيًا: يحدد سر القوة التي يمكن ان نبنيها كأمة عربية وإسلامية في مواجهة هذا العدو المتغطرس الذى لا يعرف إلا لغة القوة.
ولذلك فالرئيس تحدث في كلمته عن الوحدة كنقطة ارتكاز للقوة التي تحتاجها، وبالطبع هذه الوحدة لا تتحقق بالنوايا وانما تتطلب البعد عن الخلافات والانشغال أكثر بما يوحدنا ويجعلنا متماسكين.
هذا بعض من كل ما تضمنته كلمة الرئيس التي فيها الكثير من الرسائل التي تضع الجميع أمام مسئولياتهم المجتمع الدولي الذي يتخلى عن دوره في حماية الأبرياء وحقوق الشعوب وإسرائيل التي تتغطرس دون عقل وتمارس البلطجة دون رادع والأمة العربية الباحثة عن الأمن والاستقرار دون أن تعمل ما يجب لتحقيق ذلك، والأمة الإسلامية المتباعدة في أولوياتها وعلاقاتها. رسائل الرئيس وصلت للجميع واضحة جلية، لأنها لم يكن فيها غموض بل كانت صريحة ومباشرة وتعبر عن موقف حاسم ورؤية شاملة لما يحدث في المنطقة وما يهدد دولها واستقرارها وتضع اجراءات فعلية لمن يريد أن يغير الواقع ويفرض إرادة السلام ويردع القاتل.
وكان واضحا أن الرئيس السيسي يؤكد أن من يريد حماية نفسه وأمنه واستقراره فعليه أن يمتلك بنفسه القدرة على ذلك ما حك جلدك مثل ظفرك… والعرب إن أرادوا ذلك فهم قادرون عليه، ولديهم ما يجعلهم قوة مؤثرة عالميا ورادعة لمن يفكر فى المساس بها قوة العرب وأمانهم فى أيديهم وليس بيد الآخرين، لكن يجب ان تتوافر الإرادة الجماعية لذلك.
والأمر لا يعنى عدوانا على أحد ولا تجاوزا لحقوق أحد بل حماية لأنفسنا، وهذا أقل حقوقنا كعرب بدلا من حالة القلق التي نعيشها دائما بسبب تهاوننا في حق أنفسنا.
الجميع استمع لكلمة الرئيس التى وصل صداها سريعا إلى كل العالم وأحدثت صدى كبير ووصلت تل أبيب وكانت حديث الصحافة هناك واعتبروها تهديدا وتحذيرا واضحا لحكومة نتنياهو إذا تمادت حكومته في أفعالها المتجاوزة لكل الحدود.. إسرائيل أدركت الرسالة بل وصرخ إعلامها في وجه نتنياهو يطالبه باستيعاب الخطر ، فهل أدركناها نحن معنى ومغزى الكلمة.. هل نحن قادرون على تحويل هذه الكلمة إلى واقع عملى عربي.
نحن كأمة عربية وإسلامية أمام مفترق طرق.. لا خيار إلا المواجهة.. ولا بديل إلا امتلاك القوة.. ولا سبيل لذلك إلا التوحد ونبذ الخلافات واستثمار كل قدراتنا الصالح أمننا وصناعة قوتنا.. فهل تفعلها وتقدم صورة جديدة لأمتنا تجسد أحلام شعوبنا، صورة فيها العرب متماسكون كلمتهم واحدة وقوتهم رادعة.
إذا أردنا ذلك فكما قال الرئيس علينا أن نصدر قرارات رادعة لكل باغ ومغامر، فالوضع الآن يحتاج فعلا إلى ذلك ولا يحتاج إلى مجرد توصيات، بل يجب أن نصدر قرارات قابلة للتنفيذ وليس مجرد أمنيات، وأن تتخذ مواقف حاسمة ومؤلمة لهذا العدو، وليس بيانات مصاغة بدبلوماسية.