بعيداً عن الجدل الذى مازال سارياً حول قانون الإيجار القديم، رغم صدور قانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر رقم 164 لسنة 2025، وبدء تحصيل الملاك لقيمة الإيجار المعدل فى حده الأدنى لحين صدور قرار المحافظ فى تحديد المستوى العقارى إن كان متميزاً أو متوسطاً أواقتصادياً، وفى ضوئه تحدد القيمة الإيجارية التى أقرها القانون، والتى ستزداد بنسبة سنوية وفقاً لما معمول به فى معظم بلدان العالم ربما توازى نسبة التضخم.
فإن المهم فى الأمر أن ملف الإسكان فى مصر الذى ظل مجمداً عقوداً طويلة قاربت قرناً من الزمان، لم يعد ملفاً منسياً يعلوه التراب المتراكم الذى يعادل حجم الأنقاض والضحايا الذين كانت تزهق أرواحهم بفعل انهيار المبانى السكنية التى تقادمت بعامل الزمن وغياب الصيانة التى تاهت فى غياهب العلاقة غير السوية بين المالك والمستأجر.
الحقيقة، أنه يحسب للدولة إرادتها القوية فى فتح هذا الملف الحيوى بمفهومه الشامل الذى يخطئ البعض فى اختزاله فى تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر أو زيادة القيمة الإيجارية لأرقام عادلة.. ويحسب لحكومة الدكتور مدبولى باعتباره عالماً متخصصاً فى التخطيط العمرانى قبل أن يكون وزيراً للإسكان أو رئيساً للوزراء أنها تدرك أبعاداً جذرية فى هذا الملف، بحيث تكون المعالجة لمشكلات الإسكان معالجة شاملة بعيداً عن أساليب المسكنات التى تتسبب فى أمراض خطيرة مزمنة، مثلما حدث من قبل فى مشكلة العشوائيات والحياة غير الآدمية التى كان يعيشها مصريون بيننا وكانت الدولة تُعاير بها فى الداخل والخارج، حتى جاءت دولة الثلاثين من يونيو بقيادة الرئيس السيسى ونجحت فى التصدى لهذه المشكلة.
وقد كان نجاح الدولة فى هذا الأمر دافعاً للبناء عليه، واكتساب الخبرة والثقة وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء نفسه خلال الاجتماع الأخير الذى عقده فى الأسبوع الماضى بشأن الحصر الدقيق للعقارات الآيلة للسقوط والتوجيه بإيجاد وحدات بديلة لشاغلى مثل هذه المبانى القديمة وتوفير آلية للحد من الانهيارات.
فبالتأكيد فإن الدولة التى نجحت فى التعامل مع مشكلة المناطق غير الآمنة وتوفير بدائل سكنية لائقة لسكان حواف الجبال والمناطق العشوائية قادرة على الإنقاذ والنهوض بالثروة العقارية التى بين أيدينا والحفاظ عليها أطول فترة ممكنة، وذلك من مصلحة المستأجر قبل المالك نفسه، لأن المستأجر هو الذى يضار وتزهق روحه وروح أسرته قبل المالك الذى قد لا يكون من سكان العقار، وربما أقصى ما يمكن أن يطاله هو المساءلة القانونية أو الحبس على أقصى تقدير دون أن يفقد روحه.
>>>
حسناً تمضى حكومة الدكتور مدبولى فى التعامل مع هذا الأمر، وأتصور أن الكرة الآن فى ملعب الإدارة المحلية والسادة المحافظين وهو يلقى مسئولية كبرى على الإدارات الهندسية فى المراكز والأحياء السكنية، ولكن فى نفس الوقت مطلوب من الحكومة أن توفر الدعم اللوجيستى والفنى للمسئولين فى هذه الإدارات من مهندسين وفنيين.. فلا يخفى على أحد أن قدرات بعض هذه الوحدات هزيلة سواء من حيث عدد مهندسى الأحياء مقارنة بالأعداد الهائلة من الوحدات السكنية فى كل حى أو مركز على حدة، التى تحتاج فحصاً هندسياً دقيقاً سواء لتنفيذ قرارات الإزالة أو الترميم.
أتصور أن تدخل الحكومة كطرف أساسى بين المالك والمستأجر كفيل بالحفاظ على قوة الدفع المطلوبة فى السير فى هذا الملف الحيوى وعدم تركه مرة أخرى فى أيدى الزمن والنسيان.
أتصور كذلك أن المالك أصبح الآن مسئولاً فى الحفاظ على عقاره، بعد أن وفر له القانون الجديد قيمة إيجارية عادلة تزيد بمقدار التضخم السكانى، إلا إذا كان للإدارة الهندسية الجادة والنزيهة رأى آخر يتمثل فى قرار هندسى صائب بأن العقار لا يصلح معه التنكيس أو الترميم، وفى كل الأحوال وإن كان العقار الذى سيكون رقماً قومياً ولم يعد كائناً لقيطاً أونسياً منسياً، لأنه حتى مثل هؤلاء صارت الدولة ترعاهم وتوفر لهم الحياة اللائقة الكريمة فى ظل الجمهورية الجديدة التى تسعى لأن يكون كل شىء فى بلدنا كما يقول الكتاب.. ولكن المهم أن نتعاون جميعاً على تحقيق ذلك.