طارق فراج
روائى ومترجم
انشغلت الأوساط الثقافية ومنصات الصحافة المصرية، فى الآونة الأخيرة، بما تم تداوله من أخبار حول إغلاق بعض بيوت الثقافة فى مصر، وتراوحت آراء الأدباء والمثقفين ما بين مؤيد ومعارض لهذا القرار. وبما أننى أدين بالفضل والعرفان لواحدٍ من هذه البيوت التى تقع فى واحة صغيرة فى قلب الصحراء الغربية أرى أنه يتحتم علينا التمسك والتأكد من استمرار وجود نقاط الضوء هذه فى حياة البسطاء، حيث تلعب دور الثقافة «قصور وبيوت الثقافة» فى قرى ونجوع وواحات مصر دورًا حيويًا فى الحفاظ على الهوية الوطنية وحفظ الموروث الثقافى الشعبى وتعزيزه. كما تؤدى هذه المؤسسات دورًا حيويًا كمراكز تنوير لا غنى عنها وساحات مجانية لممارسة الأنشطة الفنية والتعليمية والاجتماعية، مساهمةً – بشكل كبير – فى تشكيل الوعى الجمعى الشعبى والحفاظ على النسيج الثقافى والاجتماعى للبلاد. وبناء على ما سبق فإن بيوت الثقافة يجب أن تستمر فى أداء دورها خاصة فى المناطق الهامشية المحرومة للأسباب التى سوف أوردها هنا بايجاز شديد:
تستضيف بيوت الثقافة غالبًا ورش عمل، وعروضًا فى الفنون الشعبية، التى أوشكت على الانقراض، إضافة إلى الاجتهاد فى جمع وتوثيق الفنون التقليدية مثل الرقص، الموسيقي، الأغاني، العدودة، العادات والتقاليد، والتدريب على الحرف اليدوية، مما يساعد فى الحفاظ على الأنماط الفنية التقليدية ونقلها إلى الأجيال الشابة. كما تعمل دور الثقافة كأماكن تجمع: مهرجانات، احتفالات، مؤتمرات، أمسيات، ندوات وفعاليات اجتماعية؛ حيث يمكن للعامة من مشارب وخلفيات مختلفة أن يجتمعوا للاحتفال بموروثهم وتراثهم المشترك، مما يعزز الشعور بالفخر ورفع الوعى بأهمية الانتماء للأرض التى وُلدنا فيها.
توفر قصور وبيوت الثقافة فرصاً للأدباء والمبدعين، من مختلف الأعمار، فرصًا للتفاعل والتعلم فى مجالات الرسم والنحت والأدب والأداء الغنائى مما يساهم ولا شك فى الارتفاع بقيمة الإنسان المصرى وتطوير قدراته الفكرية والعملية فى الوقت ذاته. كما يساهم فى مشاركة ونقل المعارف والخبرات بين الأجيال وتوجيه الشباب نحو الارتباط بتراثهم الثقافي، وتنمية شعورهم بالهوية والاستمرارية.
كما تتيح بيوت الثقافة للأدباء والمثقفين أماكن مناسبة لعرض أعمالهم وتقديم عروضهم وإبداعاتهم بما لديها من موارد ومرافق، مثل قاعات نوادى الأدب والمسارح وأماكن التدريب والمكتبات التى تدعم العملية الإبداعية وتحفز على خلق جيل يستطيع مواكبة التدفق المعلوماتى والتطورات العالمية السريعة فى مختلف المجالات، كما يمكن أن تحفز الاقتصاد من خلال خلق فرص عمل ودعم الأعمال التجارية المحلية، التى تبيع الحرف التقليدية والهدايا التذكارية ولذلك دور مهم فى نمو القدرات الشخصية والتمكين فى مجالات الحياة العملية لقطاع كبير من الشباب. هذا بعض من كل، بيد أنه ثمة أهداف وفوائد لا تُحصى نتيجة وجود هذه المراكز الثقافية التى يعدّها المهمومون بقضايا الثقافة والمواطنة وأولئك الحريصون على الصالح العام بقعًا مضيئة ومراكز لا غنى عنها للإشعاع الحضارى فى المناطق الهامشية وفى غيرها أيضًا.