ممثلة يهودية تهتف لفلسطين على المسرح بعد فوزها .. وتتضامن مع ضحايا غزة

كتب ـ طارق منير:
تحوّل حفل توزيع جوائز إيمى 2025 للأعمال التلفزيونية والإنجازات الفردية فى دورته الـ77 فى قاعة بيكوك ثيتر بمدينة لوس أنجلوس، إلى منصة بارزة لدعم القضية الفلسطينية وغزة، التى تتعرض لحرب تشنها إسرائيل بشكل متواصل منذ نحو عامين، حيث شهد الحفل تفاعلاً لافتاً من عدد من نجوم هوليوود الذين عبّروا عن تضامنهم مع غزة والمطالبة بإنهاء الحرب المستمرة على القطاع.
وفى وقتٍ انشغل زملاؤه بعَرض أزيائهم البرّاقة أمام الكاميرات المحتشدة، كان الحضور الأبرز من نصيب النجم الإسبانى العالمى خافيير بارديم، الذى خطف الأنظار وأثار تفاعلاً واسعاً بعد ظهوره مرتدياً الكوفية الفلسطينية على السجادة الحمراء، فى رسالة مباشرة وواضحة للتضامن مع الشعب الفلسطيني. ولم يكتفِ بارديم بتلك الإطلالة الرمزية، بل استغل الحفل ليُدلى بتصريحات صحفية لوسائل الإعلام، تحدث خلالها عن العدوان الدائر فى القطاع، مؤكداً أن مايحدث لا يمكن تجاهله.
وقال بارديم فى تصريحاته لمجلة هوليوود ريبورتر: «فى نهاية شهر أغسطس الماضي، أصدرت الرابطة الدولية لخبراء الإبادة الجماعية تقريراً واضحاً وصريحاً يؤكد أن ما يجرى فى غزة يُصنَّف كإبادة جماعية وفقاً للتعريفات الأكاديمية والحقوقية»، وأضاف: «بناءً على ذلك، لا بد من تحرك عالمى حاسم يتمثل فى فرض عقوبات سياسية واقتصادية وتجارية على إسرائيل، بهدف وقف هذه الإبادة التى تستهدف شعباً أعزل»، وشدد بارديم على أن الفنانين والإعلاميين يتحملون مسئولية أخلاقية فى استغلال منصاتهم العالمية لتسليط الضوء على القضايا الإنسانية العادلة، مضيفاً: «فلسطين حرة، ويجب أن يكون هذا الشعار حاضراً فى كل مكان حتى يتحقق السلام العادل»، وأكد موقفه الرافض للعمل مع أى شركة أفلام أو مسلسلات تبرر أو تدعم الإبادة فى غزة، سواء كانت إسرائيلية أو غير ذلك قائلا: «الأمر بسيط، لا ينبغى لأى صناعة أن تسمح بذلك، سواء فى صناعة السينما أو أى صناعة أخري»، وأضاف أنه «يأمل أن تنتهى الحرب فى غزة»، معبرا عن صدمته من حجم المأساة الإنسانية: «لقد سقط العديد من القتلى وقُتل الأطفال، والعالم بدأ يستيقظ على هذا الواقع»، واختتم بارديم كلماته على السجادة الحمراء: «ها أنا اليوم أدين الإبادة فى غزة، حرروا فلسطين».
لكن مفاجأة الحفل الحقيقية كانت عندما نالت الممثلة الأمريكية اليهودية هانا إينبيندر جائزة أفضل ممثلة مساعدة فى مسلسل كوميدى عن دورها فى مسلسل «هاكس»، وخلال كلمتها على المسرح بعد تسلمها الجائزة، انتقدت الممثلة سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه فلسطين وملف الهجرة، ونددت بوكالة الهجرة والجمارك الأمريكية وهتفت «الحرية لفلسطين» قبل أن تغادر المسرح وسط تصفيق حاد من الحضور.
وفى تصريحات أدلت بها بعد الحفل، أشارت أينبيندر إلى أن لديها أصدقاء أطباء يعملون فى شمال غزة، مؤكدة أن القضية قريبة جدّاً إلى قلبها، وقالت إنه بوصفها يهودية ترى أنه من واجبها التأكيد على أن «اليهود منفصلون عن دولة إسرائيل»، وأضافت: «ديننا وثقافتنا منفصلان تماماً عن هذا الكيان»، وأعربت عن تأثرها العميق إزاء الجرائم التى ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين فى قطاع غزة، وشددت على أنها ستواصل التنديد بالمؤسسات التى «تشارك إسرائيل فى حرب الإبادة الجماعية»، معربة عن اعتزازها بكونها جزءاً من الحملات المناهضة لإسرائيل.
ارتَدت إينبيندر دبوساً أحمر من حملة «فنانين من أجل وقف إطلاق النار»، ووفقاً لموقع الحملة، فإن الدبوس يدعو الحكومة الأمريكية إلى «خفض فورى للتصعيد ووقف إطلاق النار فى غزة وإسرائيل قبل أن يُفقد المزيد من الأرواح»، ويهدف إلى «إعارة أصواتنا ومنصاتنا لتعزيز النداء العالمى المطالب بوقف فورى ودائم لإطلاق النار، وإعادة جميع الرهائن، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمدنيين فى غزة».
كما انضمت زميلة أينبيندر فى المسلسل الممثلة ميجان ستالتر إلى هذا الخط السياسى الواضح، حين حملت حقيبة كُتب عليها «وقف إطلاق النار»، إلى جانب ذلك، أشار الكاتب دانيال أوبراين، خلال تسلمه جائزة أفضل برنامج منوع مكتوب إلى أن التعبير العلنى عن المواقف السياسية فى هوليوود بات أكثر صعوبة، مؤكداً أن استمرار البرامج الكوميدية السياسية يُمثل تحدياً فى الوقت الراهن.
ردود الفعل على هذه المواقف جاءت متباينة؛ فمن جهة أشاد الكثيرون بشجاعة النجوم الذين خاطروا بسمعتهم وربما بعلاقاتهم داخل صناعة الترفيه، من أجل التعبير عن موقف أخلاقى تجاه ما يجرى فى غزة، ومن جهة أخري، اعتبر آخرون أن هذه التصريحات والإشارات الرمزية تخرج عن إطار المناسبة الفنية وتدخلها فى صراع سياسى شديد التعقيد، ومع ذلك، فإن صدى هذه الرسائل ظل حاضراً طوال الأمسية، حيث تصدرت العناوين وتحوّلت إلى مادة رئيسية للنقاش عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
وتأتى هذه المواقف فى وقت حساس، خاصة بعد توقيع نحو 4 آلاف ممثل وصانع أفلام على تعهّد مفتوح نظّمته حملة «عمّال السينما من أجل فلسطين» ، وبيّنت وثيقة التعهّد أن الموقِّعين لن يعملوا مع المؤسسات والشركات الإسرائيلية «المتورطة فى الإبادة الجماعية والفصل العنصرى ضد الشعب الفلسطيني»، وذكرت الوثيقة أن أمثلة التواطؤ تشمل: «تبييض أو تبرير الإبادة الجماعية والفصل العنصري، أو الشراكة مع الحكومة التى ترتكبها.» فى خطوة تعكس تصاعد الأصوات الفنية الرافضة للعدوان على غزة ، وضمت الوثيقة أسماء بارزة فى السينما مثل تيلدا سوينتون ، براين كوكس ، أوليفيا كولمان ، آندرو جارفيلد ، أفا دوفيرناى ، مارك رافالو ، إيما ستون، ريز أحمد ، هانا أينبيندر ، جايل جارسيا برنال و غيرهم من الذين أعلنوا دعمهم لحركة المقاطعة الثقافية لإسرائيل، مستلهمين من تجربة المقاطعة التى ساهمت فى إنهاء نظام الفصل العنصرى بجنوب أفريقيا، وتهدف هذه الحركة إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء السياسات التى يعتبرها هؤلاء الفنانين انتهاكات لحقوق الإنسان.
وكانت إدارة حفل إيمى قد أوضحت قبل الحدث أنها لن تحاسب الضيوف على آرائهم السياسية، ما فتح الباب أمام هذه الرسائل العلنية لتصل إلى جمهور عالمى واسع.